كل عام ونحن بخير.. وكأننا في كل مرة نقول ذلك نكون بخير.. هذا كل ما نجود به، نجتهد لنردده لكل من حولنا في مطلع كل سنة نتصورها جديدة، وهي ككل السنوات الأخرى تأكل في كل مرة جزءاً مهماً من أعمارنا، والأعمار قصيرة، قصيرة لا تواكب ما في صدورنا من أحلام، قصيرة بشكل فظيع.. ورغم ذلك نضيعها مع النفس مع قضايا نعتقد ولمدة طويلة أنها الأهم.. ما أقصر العمر حتى نضيّعه في النضال. الشعراء يدركون قبل غيرهم أسرار الحياة، وهي التي توحي إليهم بأشعار حكيمة. النفس حديقة غناء مليئة بالورود، ضوء سحري يتسلل إليها، الصورة جميلة والمشهد أخاذ، والزمن جامح والعمر مقيد بسلاسل من صلابة الوهم.. وبكامل الوعي وبدون أي وعي ينزلق الزمن أشبه بماء سائل كشلال لا يحده سد ولا يعوق طريقه عائق كهواء غير منظور أو كشيء لا يمثل شيئاً يتلاشى هكذا زائلاً منطلقاً ساحراً ساخراً من كل أمور أخرى تبدو أكثر جدية. الأحجار والأشجار والأرض والسماء والكون ليس بكون متغير على أن يخلو من حدث الكون الذي تريده، السكون سيد جميع الأكوان في قرية لا يزال الناس فيها يعيشون فرحة دخول الكهرباء والقنوات الفضائية والتليفون النقال والماء إلى بيوتهم. العقل يتحرك دون تفكير والزمن يتحرك دون تفكير يتحدى كل ذلك منزلقاً كما تنزلق الكلمات الدالة وغير الدالة، الإيقاع لا يتغير وفجأة أسمع قطرات المطر ثم أمطارا تتهاطل أشاهدها من زجاج النافذة هاهي تحدث صوتاً، تصنع الحدث، الصوت حدث وسماه حدث آخر ورؤية الأرض الجافة تشرب وترتوي حدث وأي حدث، الأرض الجدباء أبداً الصبورة على كل مكروه تشرب أخيراً. انظر ها هو الغيث يلثم الأخاديد المشققة والندوب المتربة، وتمعن وتعجب لماذا لا تنبهر مثلي، انظر وقل شيئا لماذا تنظر إلي هذه النظرة الميتة البليدة؟ قل أي شيء ما رأيك؟ اطرح أي كلام انه العهد الزمني الجديد. أشعر أنني لا أملك أي رأي لأبديه، ولا أي قضية لأطرحها، وهذا اليوم يا عزيزي لا يختلف عن الأمس.. أشعر أن لا شيء يستحق كل هذا الاهتمام والأفكار جامدة على مستوى معين من الذهن تعرقل بظلالها أي عملية للتفكير تحولها إلى خيوط عنكبوتية كل ما حاولت إمساك خيط منها انقطعت معه الخيوط الأخرى، الأفكار تتكسر والذكريات تتبعثر، تندثر، تنمحي، هكذا بإصرار عنيد الذكريات تبدأ ساخنة متدفقة ثم سرعان ما يعيبها الجمود والانكسارات تتركها شظايا. هذا لا يمنع ان تحرك ما تبقى لك من أفكار تحللها تزرعها ترويها علها تنمو من جديد تورق، تخضر وتحفز معها الأفكار اليابسة، افعل ذلك وإلا أصيب ذهنك بالتصحر. أتريد ان يموت فينا كل شيء. نتحدث بلغة النبات والأرض فقط لأن الأمطار تسقط فجأة على هذه الأرض الخارجة عن كل الأكوان المتربة المشققة الظمأى دائماً وأبداً. تقصد انها كون منفصل منفرد عن جميع الأكوان الأخرى ربما كان ذلك. أنت تراها كذلك، فضولك التساؤلي جعل منها لغز الألغاز. انظر إلى الطيور الداجنة والحرة كيف تنتفض وتغسل أجنحتها الملوثة، الأمطار حررتها من الانكماش والتقوقع إنها تبسط أطرافها المقيدة، تشعر بالسعادة، الأمطار أسعدتها وأسعدت الأرض، وتكاد تحكي الأفكار الجامدة في رأسك ورأسي. تتصور أشياء غير موجودة. كيف ذلك إننا عندما لا نفكر ولا نتكلم ولا نقول شيئاً نكون قد بدأنا نموت.