سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدلالات الحضارية للتطور العمراني في مدينة الرياض منذ نشوئها حتى عام 2000م بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية للعام 2000م
الحلقة الأولى
الدولة السعودية الأولى 1157 - 1233ه 1744 - 1818م
مقدمة أولاً : موقع الرياض، وأهميته الاستراتيجية * التعريف بالرياض * موقعها * أهميتها محلياً، وعربياً، ودولياً ثانياً الرياض في التاريخ بينها وبين مدينة حجر . ثالثاً المسوغات العامة للتطور العمراني الكبير الذي شهدته مدينة الرياض. رابعاً التطور العمراني في الرياض خلال الدولة السعودية الأولى. التعريف بالدولة الأولى مساحة الرياض بناء سورها، وأهميته طبيعة العمران في تلك المرحلة، ومواصفاته مواد البناء المستخدمة فيه أنموذج معماري لتلك الفترة الصورة الكلية للرياض في تلك الفترة ملاحظات شاهد عيان. المقدمة: تحاول هذه الحلقات الست التي سوف تنشرها صحيفة الجزيرة مشكورة أن تقرأ الدلالات الحضارية للتطور العمراني في مدينة الرياض منذ تأسيسها إلى العام 2000م, وهي تهدف من خلال ذلك إلى رصد التحولات العمرانية وعلاقتها المباشرة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري التي وقعت في الرياض خلال الدول السعودية المتتالية، وإبراز مدى الجهود التي بذلت لإبراز المدينة بهذه الصورة الحضارية التي هي عليها الآن، ولمعرفة حدود التطور في كل مرحلة من خلال مقارنة ذلك بالمراحل المختلفة، وذلك للوقوف على ما آلت إليه الرياض. أما المنهج الذي اعتمد عليه في صياغة هذه الحلقات فهو المنهج التاريخي الذي يقرأ الظاهر من خلال تراكمها التاريخي وتطورها، وعبر علاقة ذلك بالعمق الحضاري والسياسي والاقتصادي ودلالات ذلك ويدعم كل ذلك التوثيق العلمي الدقيق. وقد تم تناول المادة بناء على المنهج المذكور من خلال الحديث أولاً عن أهمية موقع مدينة الرياض الاستراتيجي، محلياً وعربياً وعالمياً، ثم الحديث عن الرياض قبل تأسيسها، وعلاقتها بمدينة حجر التي قامت الرياض على أنقاضها، وتم بعد ذلك تناول المسوغات العامة للتطور العمراني الكبيرالذي شهدته مدينة الرياض منذ تأسيسها، وبخاصة في المائة سنة الاخيرة. تم بعد ذلك الحديث عن التطور العمراني الذي شهدته الرياض في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية, ففي القسم الأول هناك مقاربة لرسم صورة للتطور العمراني في الرياض خلال الدولة السعودية الأولى من خلال ربطه المباشر بموقع الرياض السياسي آنذاك، وقد تم هذا من خلال الحديث عن بناء سورها، وطبيعة العمران فيها، ومواصفاته، ومواد البناء المستخدمة فيه، وملاحظات شاهد عيان. وتناول الحديث المرحلة الثانية من التطور العمراني الذي شهدته الرياض خلال الدولة السعودية الثانية من خلال تحديد دقيق لمواصفات العمران فيها آنذاك، ومقارنته بما انتهى إليه في الدولة الأولى، ومدى تأثره بموقع الرياض السياسي، وبخاصة أن الرياض صارت عاصمة للدولة آنذاك, وقد اعتمد على وسائل مختلفة لتوصيف ذلك، مثل التعريف بالدولة السعودية الثانية: قيامها، وحكامها، واتخاذها للرياض عاصمة لها، ثم حدودها، وعدد سكانها، ثم طبيعة العمران فيها، والمواد الأساسية المستخدمة فيه، ثم التوقف عند مواصفات قصر المصمك باعتباره أنموذجاً للنمط العمراني الذي كان سائداً آنذاك، وتم إيراد صور حية من مشاهدات الرحالةبلجريف للواقع البشري والعمراني في منتصف المرحلة الثانية من تطور العمران في الرياض. وفي المرحلة الثالثة للتطور العمراني في مدينة الرياض خلال الدولة السعودية الثالثة ثم تقسيم هذه المرحلة إلى ثلاث محطات رئيسية، وزيادة في الدقة قسمت كل مرحلة إلى عقود، وتنول كل عقد على حدة، حيث تمت مقارنته بما قبله، وما بعده. والمحطة الأولى هي: مرحلة التأسيس التي تبدأ بدخول الملك عبدالعزيز إلى الرياض عام 1319ه، وتنتهي عام 1357ه, وقد قسمت هذه المرحلة إلى عقود، حيث تنوول فيها توحيد المملكة، وازدياد عدد أبواب المدينة، ثم تحديد الرياض عاصمة للسلطنة عام 1339ه، وانعكاس ذلك على العمران في الرياض، ثم تم التوقف عند أثر إعلان المملكة عام 1351ه في توسع المدينة، ومضاعفة مساحتها، وعدد سكانها, ثم توقفنا عند نموذج معماري مميز لهذه المرحلة هو قصر المربع ومواصفاته المعمارية, وقد دعمنا كل ذلك بإيراد صور حية لشهود عيان مروا بالرياض في هذه المرحلة، مثل الريحاني، وخير الدين الزركلي، وحافظ وهبه، وفيلبي ، وهاريسون. ورصدنا في المرحلة الثانية مرحلة اكتشاف النفط التي تبدأ ب 1356ه، وتنتهي ب 1389ه التطور العمراني من خلال تقسيم هذه المرحلة إلى ثلاثة عقود، وتناولنا التفاصيل الدقيقة لذلك التطور في كل عقد، وربطناه بالواقع السياسي والاقتصادي والحضاري باعتبار كل ذلك من العوامل المباشرة التي ساعدت على النمو العمراني في هذه المرحلة, وقد قمنا في نهاية هذا القسم بإجراء مقارنة بين التطور العمراني فيها، وبين التطور العمراني في المرحلة السابقة لنقف على المدى الذي وصل إليه التطور العمراني. وسعينا في المحطة الثالثة مرحلة الازدهار الاقتصادي التي تمتد من 1389ه إلى 1421ه إلى توصيف الملامح الأساسية للتطور العمراني في الرياض، وتبين الأسباب المباشرة لذلك، ثم الإشارة إلى حدود الرياض في بداية العقد الثامن, وقد تحدثنا بعد ذلك عن الأنماط المعمارية، وبعض ملامحها الحديثة, ثم درسنا بالتفصيل العناصر المشمولة بالتطور العمراني في مدينة الرياض في هذه المرحلة، وهي: الطرق والشوارع الرئيسية، إعمار البيئة، الضواحي الرئيسية ومباني الخدمات، المشروعات الحكومية وقد تناولنا كل ذلك على حدة دون أن ننسى ارتباطه بالتطورات الاقتصادية، والسياسية التي شهدتها المملكة محلياً وعربياً، وعبر علاقتها بالعالم. وقد اعتمدنا في هذه الدراسة على مراجع متنوعة، بعضها رسائل جامعية متخصصة منشورة في الموضوع نفسه، وبعضها دراسات نشرتها جهات رسمية ذات طابع اختصاصي كالوزارات مثلاً بمناسبة الذكرى المئوية للمملكة، وبعض هذه المراجع بحوث نشرها أصحابها في كتب ومجلات، وبعضها الآخر دراسات لكتاب أجانب، بعضهم قديم، وبعضهم حديث. كما اعتمدنا على مراجع من نوع آخر، مثل الأشرطة المرئية والمسموعة ، والخرائط والإحصاءات، وبعض ماكانت تنشره الصحافة في هذا الموضوع. ويود الدارس بهذه المناسبة أن يقدم الشكر لمكتبة الملك فهد الوطنية في الرياض، ولجميع العاملين فيها لتعاونهم الفعال معه في تأمين ما كان يحتاجه من مراجع متنوعة في موضوع دراسته. أولاً : موقع الرياض، وأهميته الاستراتيجية الرياض هي عاصمة المملكة العربية السعودية، وهي مركز الحكم والإدارة، وتضم جميع الوزارات والمراكز الرئيسية لمختلف المصالح والهيئات, وهي مركز تجاري حيوي نشط على صعيدي الداخل والخارج1 , يتجاوز عدد سكانها حتى نهاية 1420ه 1999م ثلاثة ملايين نسمة، وتبلغ مساحتها نحو /1800كم2، ويتميز موقعها بأنه يتوسط كل مناطق المملكة, فالرياض تقع على خط عرض 38 34 درجة شمالاً، وخط عرض 34 46 درجة شرقاً، وترتفع / 600 متر فوق سطح البحر2 . ويزداد موقعها أهمية 3 لتربعها في مكان شبه متوسط لشبه الجزيرة العربية عند نقطة تقاطع المواصلات الرئيسية بها، فتربط الخليج العربي بالبحر الأحمر، كما تربط الشام بمنطقة الجنوب العربي4 . ثانياً : الرياض في التاريخ: لقد قامت مدينة الرياض على أنقاض مدينة حجر التي عرفت بأنها أقدم قاعدة لإقليم اليمامة , وهو الإقليم الذي شمل العارض و سدير والمحمل والشعيب والوشم والخرج والفرع والأفلاج5 , وقد وصف الرحالة العرب مدينة حجر بأنها كانت مدينة كبيرة، واسعة الأرجاء كثيرة المباني، تحيط بها المزارع والحدائق وتكثر بها المياه والعيون، وكانت مركز التجارة وسطصحراء الجزيرة العربية حيث ضمت سوقاً تجارياً يعتبر من أشهر الأسواق في جزيرة العرب, وكانت أيضاً ملتقى التجارة بين شرق الجزيرة وغربها6 . ولأهمية موقع مدينة حجر فقد ذكرت في عهد الملك الآشوري سرجون سنة / 751 قبل الميلاد، وفي كتابات اليونان عام /100 للميلاد، فالأمويين إلى العصر العباسي الأول7 . وقد أطلق اسم الرياض قبل /300 سنة من الآن 8 خلال القرن الثاني عشر الهجري على ما بقي من المحلات القديمة من مدينة حجر وما حولها من الأرض المنخفضة الواسعة التي كانت في القديم تنساب إليها مياه السيول فتصبح مخضرة بالنبات9 . والرياض في اللغة جمع روضة، والروضة هي الأرض ذات الخضرة والبستان الحسن لموضع يجمع الماء فيه ويكثر نبته 10 . ويروى أيضاً أن إطلاق اسم الرياض قد أخذ من مجموعات الروضات التي تحيط بالمدينة. ويعود سبب كل ذلك الخصب إلى وقوع الرياض عند نقطة التقاء ثلاثة من الأودية الرئيسية التي وفرت لها على مدى قرون طويلة موارد مائية قيمة، والتي كانت وبخاصة خلال نزول الأمطار تتسبب في انتشار الأعشاب، واخضرار البساتين، وأشجار النخيل وغيرها من الروضات الزراعية في الماضي، الأمر الذي أعطى للمدينة اسمها الحالي11 . ثالثاً مبررات التطور العمراني الكبير الذي شهدته مدينة الرياض: لقد كانت مدينة الرياض في نهاية / 1280ه 1863م عبارة عن قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها / 7500 نسمة، ولم تكن مساحتها تتجاوز نصف كيلو متر مربع، ولكنها أصبحت اليوم من أكبر مدن المملكة، وأكثرها نشاطاً وحيوية حيث شهدت في السنوات الأخيرة حركة عمرانية هائلة بلغت حداً باتت توصف معه بأنها أكبر موقع به حركة بناء في العالم, فقد تضاعف عدد سكانها مرات عديدة، وامتدت مساحتها متجاوزة كل احتمالات التخطيط، وتنوع نشاط الناس فيها، وقامت فيها المشروعات الإنمائية من كل لون وفي كل حي12 . ولم يكن ذلك من فراغ، وإنما له ما يسوغه على الصعيدين الحضاري والسياسي, وسنذكر فيما يلي المسوغات العامة التي كانت وراءه مراعين التسلسل الزمني, علماً بأن لكل مرحلة خصوصيتها وأسبابها المباشرة التي سنوردها في حينها, ومن ذلك ما يلي: 1 إعادة الاعتبار إلى الرياض، وجعلها عاصمة للدولة السعودية الثانية بدءاً بعام 1124ه، ثم عاصمة للدولة الثالثة عام 1339ه 1920م، إلى جانب أن جهاز الحكومة للدولة كبير، ويحتاج إلى مرافق كثيرة ومتنوعة، وذات حجوم وأشكال معينة. 2 توفير الملك عبدالعزيز يرحمه الله لضروريات الحياة من طعام وشراب، وإقامة مراكز لتوزيع المواد الغذائية وتوفير المياه دفع كثيراً من قبائل البادية بالنزوح إلى الرياض والاستقرار فيها. 3 بناء قصر المربع خارج أسوار مدينة الرياض عام 1357 ه 1937م ساهم بتوسيع المساحة المكانية لها. 4 بناء سكة الحديد، وبناء المطار القديم في الخمسينيات، وبناء المطار الجديد في الثمانينات. 5 انتقال الوزارات من جدة والزيادة الضخمة في حجم الأجهزة الإدارية والمرافق الحكومية. 6 اكتشاف النفط في الخمسينيات هجرية، الثلاثينيات ميلادية، واستثماره تجارياً، وعلى نطاق واسع بعد الحرب العالمية الثانية. 7 الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، وبخاصة بعد التوحيد، وإعلان المملكة عام 1351ه 1932م. 8 النمو المتسارع لسكان الرياض الذي دفع حركة التطور العمراني كثيراً: ففي عام 1280 ه 1863م كان عدد سكان الرياض / 7500نسمة. وفي عام 1380 ه 1960 أصبح عددهم /160000 نسمة. وفي عام 1419ه 1999م تجاوز عدد سكان مدينة الرياض / 3000000 نسمة. 9 موقع الرياض استراتيجي من خلال كونها صلة وصل بين شرق المملكة وغربها، وجنوبها وشمالها، إلى جانب كونها موقعاً عالمياً مهماً. 10 - تميزها في النشاط التجاري، إلى جانب كونها المقر الرئيسي للمرافق والخدمات الإدارية والتجارية والمالية والثقافية, كما تتوافر فيها التسهيلات والخدمات التعليمية، إلى جانب كونها مركزاً مهماً للإنتاج الصناعي والزراعي, وكل هذا أدى إلى اجتذاب الناس والمستثمرين وتنشيط الحركة العمرانية. 11 نمو فرص العمل، وازدياد الهجرة إليها من داخل البلاد وخارجها ساهم في ازدياد عدد السكان ، ومن ثم في تطور نمو حركة العمران. 12 تطور وسائل المواصلات وكثافتها، وما يتبع ذلك من تطور في البنية التحتية من الطرق والشوارع والخدمات المساندة لها. 13 دعم الدولة المالي، وإنشاء صندوق التنمية العقاري، ومنح الأراضي، والقروض المصرفية وما إلى ذلك. التطور العمراني في مدينة الرياض في الدولتين الأولى والثانية: يتباين المهتمون كثيراً في أمر تقسيم مراحل التطور العمراني في مدينة الرياض 13 ، فمنهم من يقسمها إلى ثلاث مراحل على النحو التالي: المرحلة الأولى 1164 1317ه 1750 1900م . المرحلة الثانية 1317 1369 ه 1900 1950م . المرحلة الثالثة 1369 ه 1950م إلى الآن14 . ومنهم من يقسمها إلى ثلاث مراحل أيضاً ولكنه يتجاهل الرياض في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية بحيث تبدأ المرحلة الأولى لديه منذ 1319ه 1902م، وتنتهي عام 1358ه 1938، ويسميها مرحلة توحيد المملكة, وتبدأ المرحلة الثانية بعام 1358ه 1938م ، وتنتهي عام 1389 1969م، ويسميها مرحلة النفط، وتبدأ المرحلة الثالثة بعام 1390ه 1970م، وتنتهي عام 1388ه 1998م، ويسميها مرحلة الطفرة الاقتصادية (15). ومنهم من يزيد هذه المراحل إلى خمس، هي: المرحلة الأولى منذ نشوء الرياض إلى عام 1349ه 1930م. المرحلة الثانية 1349ه 1930م إلى عام 1375 ه 1955م. المرحلة الثالثة من 1375ه 1955م إلى 1388 ه 1968م. المرحلة الرابعة من 1388ه 1968م إلى 1396ه 1976م. المرحلة الخامسة من 1396ه 1976م حتى الآن 16 . وهناك من ينقص هذه المراحل ويجعلها في اثنتين فقط، تبدأ الأولى باكتشاف النفط، والإفادة منه بشكل تجاري، وتنطلق المرحلة الثانية من عام 1388 ه 1968م، وهي مرحلة الازدهار الاقتصادي 17 . ولعل هذا التباين الواضح الذي يصل إلى حد الاختلاف في تقسيم المراحل يؤكد ما مرت به الرياض من تطور عمراني كبير، قد يتفاوت بين مرحلة وأخرى، ولكنه يظل مثيراً للدهشة والإعجاب. ونحن سنقوم برصده بطريقة مختلفة قليلاً من خلال ربطه بالواقع السياسي، ثم الحضاري الذي تبوأته مدينة الرياض بدءاً بالدولة السعودية الأولى مراعين في ذلك الواقع العمراني لها خلال المراحل التالية حتى الآن. رابعاً : التطور العمراني في مدينة الرياض خلال الدولة السعودية الأولى: 1157 1233ه 1744 1818م تتحدد هذه المرحلة بسنة 1157 ه 1744م، وهي السنة التي هاجر فيها الشيخ محمد عبدالوهاب إلى بلدة الدرعية التي كانت العاصمة آنذاك، واتفق مع أميرها محمد بن سعود على التمسك بالتوحيد، وإقامة أحكام الشرع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر18 ، وهو ما يسمى باتفاق الدرعية الذي يعتبر النواة الأولى للدولة السعودية الأولى19 . أما الرياض فلم تكن في تلك الفترة سوى حلقة في سلسلة من المستوطنات الصغيرة الواقعة على وادي حنيفة التي تعيش على الأرض القابلة للزراعة 20 ، لقد كانت عبارة عن بلدة زراعية مسورة، وتشغل بساتين نخيلها سهل طميي خصب على الضفة الشرقية لوادي حنيفة مباشرة جنوبي التقائه برافده وادي الأيسن الذي يتصل به من الشمال، وسهله الطميي يتغذى من رافد أصغر هو وادي البطحاء ويجري من الشمال مجتازاً سور المدينة القديمة الشرقي21 , وكان عدد سكانها آنذاك أقل من / 7500 نسمة يسكنون في مساحة لا تتجاوز نصف كيلو متر, وحكم الرياض في عام 1185 ه 1745م حاكم منفوحة آنذاك 22 , وقد كان الصراع قائماً بين الرياض والدرعية، بين دهام بن دواس، والإمام محمد بن سعود، ومن بعده ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد حيث توالت الحروب على مدى ثمانية وعشرين عاماً 23 إلى أن حسم السعوديون ذلك، فضموا الرياض إلى دولتهم عام 1187ه 1773م، فأصبحت تابعة للدولة السعودية الأولى، وكان يتم تعيين أميرها من قبل الدرعية، ويخضع شبابها إلى الجهاد متى لزم الأمر34 , وقد ظلت الرياض كذلك حتى عام 1233ه 1818م حين قدم إبراهيم باشا بحملة عسكرية بأمر من الدولة العثمانية إلى والي مصر آنذاك، فتمكن من القضاء على السلطة والاستيلاء على الدرعية بعد حصرها وتدميرها، وهدم مساكنها، وإحراق بساتينها ونخيلها، وقضى بذلك على الدولة السعودية الأولى 25 ، ومعها الرياض باعتبارها تابعةً لها 26 . أما على الصعيد المعماري فتبدأ هذه المرحلة بتاريخ بناء السور حول القرى التي أطلق عليها جميعاً اسم الرياض , وقد شهدت الرياض في عهد دهام بن دواس بعض مظاهر التطور العمراني حيث أقام حول محلاتها المتناثرة سوراً كانت تغلب عليه الوظيفة الدفاعية، متوسط ارتفاعه بين أربعة أمتار إلى خمسة, وقد أقيم عند نهايات الشوارع بوابات وحصون, وفي حوالي 1160 ه 1747م بنى قصراً أصبح فيما بعد قصراً للإمارة والحكم إلى أن هدمه ابن رشيد عام 1309 ه 1891م27 . والعمران خلال هذه الفترة لم يتغير كثيراً، وظلت مساحة الرياض ثابتة تقريباً، لأن حدودها كانت تنتهي عند الأسوار, وكان التقدم ينعكس في كثافة السكان داخل حدودها على حساب الأراضي الفارغة والباستين 28 . كانت الرياض في هذه المرحلة تقسم إلى أربعة أحياء يفصل بينها شارعان رئيسيان يتقاطعان في الساحة المركزية ميدان الصفاة حالياً وكان النهايات الأربع للشارعين المذكورين تنتهي بأربعة أبواب محصنة. وكان أهمها الشارع الذي يتجه إلى الشرق في موضع شارعالثميري الحالي، ويفضي إلى بوابة الرياض الرئيسية المسماة ببوابة الحسا . وكانت تبعد نحو مائة متر إلى الغرب من مجرى البطحاء29 . ويرسم الرحالة جورج سادلير صورة حية للرياض حين مر بها سنة 1818 م قائلاً: توقفنا لمدة ثلاثة أيام انتظاراً لعودة الفريق المرافق من السلمية, وقد قمت خلالها بزيارة منفوحة التي تقطنها ألفا عائلة تقريباً. شاهدت بعض البيوت المبنية من الحجارة واللبن, والأسقف هنا مستوية السطح, وبعض البيوت مكون من طابقين, كانت منفوحة محاطة بأسوار، وخندق إلا أن إبراهيم باشا أمر بهدمها وتسويتها بالأرض, أما الرياض فتقع إلى الشمال من منفوحة على بعد ميل واحد، ولا يفصلها عنها سوى بقايا وأنقاض لأسوار وبيوت, لقد كانت منفوحة وكذلك الرياض محاطة بمزارع كثيفة من أشجار النخيل التي تروى بمياه الآبار العميقة 30 , وفي فصل الشتاء تتجمع مجاري السيول من الجبال العارية لتكون وادياً كبيراً يفيض مجراه, وكان أهلها في أسوأ حال مرت بهم منذ قيام دولة الوهابيين. وسويت أسوارهم بالأرض31 . أما طبيعة المباني في تلك الفترة وهي النموذج الأصل للمباني القديمة في الجزيرة العربية فمكونة من دور واحد إلى ثلاثة أدوار, وتأتي غالباً متلاصقة من ثلاث جهات , واستخدم في بنائها الطين والأحجار. والأسقف مستوية من خشب جذوع النخل32 . ويعد البيت ذو الفناء الداخلي هو النمط التقليدي للمساكن في الرياض في تلك الفترة حيث تفتح غرف الطابق الأرضي على الفناء مباشرة بفتحات كبيرة, ويوجد في الطابق العلوي رواق يطل على الفناء، وتأتي خلفه الحجرات , وتبدو الواجهات الرئيسية غالباً خالية من الفتحات فيما عدا باب المدخل، وبعض الفتحات الضيقة الطويلة أو المثلثة بغرض التهوية، وذلك في الأدوار العليا مع ترك الدور الأرضي بدون فتحات, ويتم بناء جدار مصمت أمام المدخل لمزيد من الخصوصية، كما يتم الفصل بين غرف استقبال الرجال وباقي عناصر المسكن بوضع المجلس في الدور الأول وقد تمتد هذه الغرفة لتغطي الطريق أمام المنزل فيما يعرف بالصابات وتستعمل الأسطح في بعض الفصول للنوم، وهي على مستويات مختلفة ومحاطة بدراري للخصوصية33 . مراجع هذه الحلقة ستكون ملحقة بالحلقة القادمة. الحلقة القادمة: سوف تتناول الحلقة القادمةالدلالات الحضارية للتطور العمراني في مدينة الرياض خلال الدولة السعودية الثانية, ومن عناوينها: التعريف بالدولة الثانية، حدود الرياض ، عدد سكانها، طبيعة العمران فيها ومواصفاته، مواد البناء المستخدمة في العمران، مواصفات نموذج معماري: المصمك، ملاحظات شاهد عيان: بلجريف، نهاية الدولة الثانية.