يحكى أن رجلاً كان مسافراً بين قريتين في صباح يوم العيد الذي تقدم فيه وجبة العيد في الشوارع لأهل القرية ومن يمر بها ولا يعلم أي القريتين أقرب اليه فاتجه الى احداهما ليدرك صلاة العيد وطعام العيد ولكنه بعد ان وصل الى القرية الأولى وجدهم قد انتهوا من الصلاة وطعام العيد وكان يلغب على ظنه ان هذه القرية اقرب اليه من القرية الثانية فندم على ذلك وقال لعلي أدرك العيد في القرية الثانية فذهب إليها وحينما وصل اليها وجدهم قد تفرقوا بعد تناول طعام العيد فذهب جهده هباءً منثوراً بين هاتين القريتين فَسُمِّيَ «معايد القريتين» وهو مثل سائر على ألسنة أهل نجد.. وقد تتعجبون ما علاقة هذا المثل بموضوعنا وهو «المهندسون وأوضاعهم» والحقيقة ان هذا المثل ينطبق على المهندسين في وقتنا الحاضر فهم قد ضاعوا بين قطاعين يمثلان فريق «معايد القريتين» وهما القطاع العام والقطاع الخاص.. فالقطاع العام لا يعطي المهندس السعودي أي مزايا او مشجعات للدخول في هذا القطاع بل يضيع المهندس السعودي في خضم سواد الموظفين على المراتب الوظيفية الجامدة في كثير من الأحيان ويتحول عمله الى عمل أي موظف «ورقي عادي» دون أي تطبيق لمعطيات التخصص.. و«القرية الثانية» عفوا «القطاع الثاني» هو القطاع الخاص الذي اوصد الأبواب أمام المهندس السعودي وفتح الباب على مصراعيه للمهندس الأجنبي وكأن المهندس السعودي هو الاجنبي الذي يجب عليه تقديم شهادات خبرة طويلة وشروط «تعجيزية» أخرى لا تطبق إطلاقاً على أي مهندس اجنبي بل يكفي ان «يرطن» ببعض الكلمات وان يلبس «الكرافته والبرنيطة» ليصبح مهندساً كفؤاً أفضل من المهندس السعودي وأعلى منه راتباً حتى ولو كان المهندس السعودي أفضل منه علمياً وتقنياً. سوف أتناول هذا الموضوع من عدة زوايا: 1 من حيث الدراسة والتعليم فإن المهندس حين دراسته في كليات الهندسة يدرس ما يقارب 6 سنوات منهجية باللغة الإنجليزية ومطالب بمشروع للتخرج اشبه برسالة الماجستير ومطالب بعدد كبير من البحوث والدراسات العملية والحقلية بخلاف من يدرس دراسة نظرية كالتاريخ الذي يمكن دراسته على الفراش او الطاولة دون الحاجة الى جهد عقلي. وعند مقارنة 6 سنوات مع 4 سنوات هي مدة الدراسة في الكليات النظرية يتضح الفرق الكبير بين الدراستين، اضافة الى ان المهندس حين بداية الدراسة في كليات الهندسة يدخل في دارسة بحتة للرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزية. ومن هنا وجب النظر الى هذا الموضوع في التصنيف الوظيفي للمهندسين. 2 في المعايير الوظيفية التي اعتمدتها وزارة الخدمة المدنية، لا فرق بين المهندس المتخصص وغيره في التوظيف بل انه على المراتب الوظيفية التي تم اعتمادها قديماً حينما كان المهندسون يُعدون على الأصابع واستمر هذا الوضع خلال كل هذه السنوات.. حيث ان المعايير التي تطبق على الموظف الذي درس اللغة الانجليزية او التاريخ هي نفسها معايير تعيين المهندس حيث يعين عند تخرجه في القطاع الحكومي براتب مقداره «5070 ريالاً» «في المرتبة السابعة الدرجة الثالثة» وتتم زيادتها حسب نظام العلاوات السنوية المعمول بها في سلم الموظفين العام.. وهذا السلم يتم بشيء من الجمود وعدم المرونة الوظيفية. 3 نظراً للإحباط الذي لاقاه كثير من المهندسين في القطاعين المذكورين «يمثلان القريتين في المثل والمهندس هو معايد القريتين» فقد هجر كثير منهم أعمال تخصصهم واتجهوا الى أعمال أخرى كالتعليم «نظراً لوجود مميزات مغرية فيه» أو الأعمال الحرة.. وهناك دراسة أعدها معهد الإدارة العامة اثبتت ان حوالي نصف المهندسين السعوديين «50%» منهم لا يمارسون اعمال تخصصهم وهذا وحده مؤشر كاف للجهات المسؤولة. 4 يجب دراسة ايجاد كادر وظيفي خاص بالمهندسين يضمن لهم المرونة الوظيفية ويتجاوز الجمود الوظيفي الذي عانوا منه حين طبق عليهم نظام الموظفين العام وعلى أقل تقدير مساواتهم بغيرهم من الفئات الوظيفية الأخرى فهم لا يريدون تمييزهم عن غيرهم فهناك كادر المعلمين، كادر الأطباء، كادر القضاة.. الخ. ومن الطلاب من يترك دراسة الهندسة بعد ان يعلم مزاياه بعد تخرجه.. وحين يتخرج بعض الطلاب من الثانوية العامة يظل يمنِّي نفسه بالحصول على تقدير ممتاز لدخول كلية الهندسة وخدمة وطنه ولكنه سيصطدم بالواقع الوظيفي عند تخرجه فيتجه الى مجال آخر. يجب ان يقوم بدراسة هذا الكادر الوظيفي مختصون في التوظيف ومهندسون ليكون حافزاً للمهندسين الى ممارسة أعمالهم وخدمة وطنهم ورد دينه عليهم. 5 يجب الاهتمام بوضع جمعية هندسية سعودية تهتم بتدريب المهندس بعد تخرجه واكسابه المعلومات والمهارات المهمة فان ما درسه لا يعدو ان يكون مبادئ بالهندسة ويمكن ان تكون اللجنة الهندسية هي النواة لذلك حيث تقوم بتنظيم ندوات متخصصة للمهندسين في الهندسة المدنية، الكيميائية، الكهربائية، الميكانيكية، وغيرها وأخيراً متى يتعيَّد المهندسون حيث فاتهم العيد في القطاعين العام والخاص فهم بذلك يسمون «معايد القطاعين»..!! المهندس عبدالعزيز بن محمد السحيباني