لم تكن مسؤولية الحسبة في صدر الإسلام بهذا الحجم التي هي عليه الآن، وذلك نابع من صفاء مجتمع المدينة وخلوه من كثير من المنكرات، التي نشأت في العصور المتأخرة، وكانت وظيفة المحتسب في العهد النبوي ومن بعده من الخلفاء الراشدين مقتصرة نوعاً ما على السوق حيث البيع والشراء وحركة الناس وقد ورد في تاريخ الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده ولوا على السوق عمالاً: فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن العاص بن أمية على سوق مكة، وولى عمر بن الخطاب السائب بن يزيد مع عبدالله بن عتبة بن مسعود، على سوق المدينة. ويذكر الأستاذ طارق محمد الطوارىء في كتابه: (الحسبة والمحتسبون في الإسلام) انه في منتصف القرن الثاني للهجرة بداية العصر العباسي اتسعت الدولة وترامت أطرافها, ونشطت التجارة والصناعة، وكثرت الأسفار، فانفرد بالوظيفة محتسب يتولاها بأمر الخليفة أو أحد ولاته، وربما حدث ذلك في زمن الخليفة المنصور الذي أنشئت في عهده مدينة بغداد ونظمت أسواقها وطرقها وولى المنصور أمر الحسبة في بغداد ليحيى بن زكريا. وذكر الإمام ابن كثير في حوادث سنة 169ه أن نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم المقرىء, أحد القراء السبعة: توفي في تلك السنة وكان محتسباً للخليفة الهادي,, فلا شك أن اختيار الرجل المناسب ووضعه في المكان المناسب له أكبر الأثر في تحقيق الغاية المنشودة، لذا صار من الضروري جداً أن يختار الحاكم والمسؤول الرجل المناسب ممن توافرت فيه صفات الأمانة والإخلاص والخلق الحسن والسلوك القويم والحكمة في الدعوة لتوجيه الناس والمجتمعات للخير.