استعرضنا في شدو الثلاثاء (الآبق!) أبعادا (علمية) ملاحظة المتنبي لقسرية عودة الحجر إلى الأرض في أعقاب كل مرة يقذف به عاليا إلى السماء، كما في قوله: (مثل الحصاة التي يرمى بها أبدا إلى السماء فترقى ثم تنعكس)..، واتفقنا على انه ليس ثمة ما يدعو إلى الشك في أن المتنبي قصد غير (الجاذبية الأرضية) في هذا البيت، غير أننا اتفقنا كذلك على حقيقة (عدم أحقية) المتنبي في ادعاء اكتشافه للجاذبية الأرضية، وناقشنا بعض أسباب ذلك.. وهنا نستعرض المزيد من أدلة انتفاء أحقية المتنبي (بالحقوق الفكرية) لملاحظته هذه، لنقول إن الملاحظة على أنواع فمنها البسيط/ الشخصي، غير العلمي، ومنها كذلك المعقد المشتق علميا، المقنن منهجيا. فقراءة الشيء تختلف عن استقرائه، ولا ريب في أن مجرد رؤية شخص ما لكوكب ما لا يعني اكتشافه وسبر غور أسراره ، في وقت يعوز هذا الفرد الإلمام التام بعلوم الأفلاك والأكوان وفيزياء الدقائق والرقائق والميكانيك والكم.. وغير ذلك. بل إن رؤية الرجل البدائي منذ ملايين السنين للبرق لا يعني أنه قد اكتشف البرق، أو كشف أسرار حدوثه، أو فقه قوانين الضوء وتفاعلات المادة والطاقة. وبالتأكيد فلو رفع أحدنا رأسه لحظتنا هذه فرأى طائرة عابرة.. فهذا لن يعني أنه بذلك قد أتقن أصول قيادة هذه الطائرة! بالمناسبة يُروى أن عالما من العلماء قد لاحظ وهو في معمله أنه كلما قرع جرسا قفز أحد (البراغيث) الموجودة في هذا المعمل، فقام هذا العالم بتخدير أحد أرجل هذا البرغوث، ومع ذلك استمر البرغوث (الطربان!) بالقفز كلما سمع قرع الجرس، ومرة أخرى قام هذا العالم بتخدير الرجل الأخرى فالأخرى حتى أتم تخدير كل أرجله، وحينها توقف البرغوث عن القفز (برغوثيا!). وهنا سارع هذا العالم ليعلن اكتشافا علميا مفاده أن البرغوث هذا يسمع من خلال (أرجله!). والسؤال هنا: هل سوف نفقه سر قفز البرغوث فيما لو اعتمدنا على حيثيات ملاحظتنا الأولية لقفزه..؟! بل ماذا لو احتاج هذا البرغوث إلى عملية تأهيل (نفسي!) نتيجة لما طاله من ايلام التخدير الذي حرمه بالتالي من هوايته الوحيدة: الرقص..؟! فهل يا ترى أن كل فرد لديه القدرة على الغوص إلى (خبايا) الطبيعة/ النفسية البرغوثية..؟! أم أنه يجب أن يكون عالم نفس براغيث كذلك..؟! هنا فيا حبذا لو أجبت عن هذا السؤال بلغة (سمعوني.. لا أكلوني البراغيث!). ختاما فالقول الفصل هنا هو ان العلم هو نفْي المألوف.. قتْل النمطي..، اثبات الصحيح بتفنيد ما لا يصح..، استنساخ وجود من عدم..، زوال ستار..، انتفاء ساتر..، تهتك سواتر..، اكتشافات..، انكماشات لما لبس زيفا ثياب الحقائق..، انه عَرَق جبين الإصرار سعيا نحو نور الحقائق رغم اصرار الظلام على ارخاء حالك سدوله.. إنه النزف سيطرة على نزيف... (سيناريو) الحقيقة..، (أكشن!) الحياة... انتفاء توفر القناعة بالمتوافر..، ايجاد من عدم..، عزوف نفس ألوف للدعة عن الدعة..، لعق صبر السعي الحثيث نحو الحقيقة...، العلم الفضول (الممنهج)..، الاستقراء المقنن...، المشقة...، رغم أنف التسلق.. رغم أنف الاستلقاء على قارعة الادعاء... رغم أنف البراغيث الراقصة على وقع الألقاب الطاووسية..!