أعيد اليوم فكرة سبق أن طرحتها حول التدريب التقني، وذلك عقب تكرار توصيات بإلحاق كليات التقنية بوزارة التعليم العالي. أقدر تلك التوصية عندما تؤخذ في سياقها الإداري الراهن، حيث تبدو مؤسسة التعليم الفني والتدريب التقني غير مقنعة في أدائها وتعاني ضياعًا في هويتها انعكس على تواضع مخرجاتها وتشتت خططها. يوجد تردد في الاعتراف بأن مشكلة مؤسسة التعليم الفني والتدريب التقني قيادية إدارية بالدرجة الأساسية وبدلاً من الوضوح في قراءة هذا الجانب وبسبب حرصنا على مجاملة الأشخاص يلجأ البعض إلى المطالبة بهدم الكيان، مؤسسة التعليم الفني والتدريب التقني... هناك خلط بين مفهومي التدريب والتعليم، وهو ما يقود إلى خلل واضح بسوق التدريب والتعليم السعودي، ويقود بمطالبات تنظيمية تبدو غير علمية في بعض الأحيان، مثل تلك المطالبات التي تطالب برفع مستوى كليات التدريب التقني لتصبح كليات هندسة (لا مانع من وجود برامج بكالوريوس تقني في بعض الكليات وليس بكالوريوس هندسة تقليدي) أو ضمها للجامعات أو غير ذلك من المطالبات التي لا ترى سوى الشهادة كمؤهل دون النظر للمضمون والهدف من برامج التدريب. ولتبسيط الأمر التعليم يقاس بالاختبار في كم من المعلومات والمعارف التي يحصل عليها المتعلم كما يحصل في التعليم الجامعي، بينما التدريب يقاس بما يستطيع المتدرب عمله أو إنهاء عمله. رغم كثرة ما يسمى برامج التدريب لدينا إلا أنها غير فعّالة لأنها تقدم عن طريق أساتذة تعليم وليس مدربين وتقدم بالطرق التعليمية التقليدية مثل المحاضرات والمؤتمرات والندوات التي تقدم المعلومات والمعارف لكنها لا تدرب على صنع وعمل الأشياء. التعليم لا يطور المهارات ولا يحسن الأداء بنفس الفعالية التي يقدمها التدريب اليدوي على عمل الأشياء، فالإنسان يستطيع تذكر 10% مما يسمعه، بينما يتذكر 75% مما يقوله و90% مما يطبقه عمليًا. من هنا يصبح التدريب الجيد ذا أهداف محددة فيما تريد المتدرب أن يخرج قادرًا على تطبيقية بينما أهداف التعليم قد تكون عامة حول المفاهيم التي يمكن أن يتعلمها المتعلم. مأزق التفريق بين التعليم والتدريب هو الذي قاد إلى فشل برامج كليات المجتمع بالجامعات السعودية في مجال التدريب لأنها قدمت التدريب عن طريق قاعات دراسية يقوم بإلقاء الدروس فيها أساتذة متمكنون من علومهم وتخصصاتهم لكنهم ليسوا مؤهلين لتقديم التدريب العملي والمهني، وهو المأزق الذي مرت بها كليات التقنية حينما ركزت على التعليم بواسطة أساتذة مؤهلين أكاديميًا لكنهم ليسوا خبراء تدريب. تبدو كلية التقنية بالجبيل كأفضل نموذج لكليات التقنية، حيث يجد خريجوها فرص عمل أفضل من تلك التي يجدها الجامعيون أو خريجو بقية الكليات التقنية. السبب في ذلك هو كونها تعتمد على الإعداد واالتدريب المهني السليم الذي يحقق متطلبات جهات التوظيف بالذات الشركات العاملة بالجبيل وينبع، فلماذا لا تتعلم منها بقية الكليات؟ لست أدافع عن مؤسسة التعليم الفني والتدريب التقني فقد ألمحت في بداية المقال إلى مشكلتها الرئيسة، لكنني أرى بأن أية قصور في التدريب على المهن والحرف يجب أن يعالج في سياقه وليس في دمجه بالتعليم الجامعي، إلا إذا كانت المطالبات تصب في خانة المرجعية الإدارية بحيث تتحول وزارة التعليم العالي إلى وزارة التعليم الجامعي والتدريب التقني ويكون لها نائب وزير أحدهما للتدريب التقني والآخر للتعليم الجامعي، أو أن تنقل مرجعية مجلس إدارة المؤسسة من وزارة العمل إلى وزارة التعليم العالي. هذه مسألة تنظيمية أخرى.