قرأت في أكثر من عدد من صحيفة الجزيرة لكتّاب اعتنوا بمتابعة ما يكتب في الصحيفة من مقالات، ويستدركون على ما يرد في المقال من أحاديث نبوية لبيان ضعفها من حيث السند عبر صفحة عزيزتي الجزيرة. مثل حديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) وحديث (لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ). وأقول: هذا تنبيه جيد، ومعلومة مفيدة، ولكن أحب التنبيه على أنّ ضعف السند من وجه لا يمنع الاستدلال بالحديث، لاسيما إذا كان معنى الحديث صحيحاً يتفق مع أصول وقواعد الشريعة مثل الحديثين السابقين، فلا نحجر واسعاً على المجتهدين. وقد يكون ضعيفاً من وجه صحيحاً من وجه آخر، وقد ذكر جمع من أهل العلم أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل العملية والمواعظ والقصص والترغيب والترهيب، ونحو ذلك مما ليس له تعلُّق بالعقائد والأحكام، وهذا هو قول الجمهور والمعتمد عند الأئمة المحققين، وحكى الاتفاق عليه بين العلماء الإمام النووي وهو أول من شهر هذه المسألة بهذه الصورة، والشيخ ملا ّعلي القاري، وابن حجر الهيثمي، والسيوطي، وابن عرَّاق رحمهم الله تعالى . يقول الإمام السيوطي - رحمه الله - (يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد الضعيفة ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به.... وذلك كالقصص وفضائل الأعمال والمواعظ وغيرها مما لا تعلّق له بالعقائد والأحكام، وممن نقل عنه ذلك ابن حنبل وابن مهدي وابن المبارك)، وقد اعتبر الإمام السيوطي - رحمه الله - الحديث الحسن من درجات الحديث الضعيف، وأنه بمثابة قول التابعي.. ويقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: (وأما الضعيف فإن جبر بكثرة طرقه والشواهد فإنه يكون حسناً لغيره فيلحق بالحسن ويعتد به، وإن لم ينجبر بذلك فإنه ليس بحجة، لكن قد استشهد به بعض العلماء في فضائل الأعمال أو في الزواجر عن النواهي). وبهذا يعلم جواز الاستدلال بالحديث الضعيف إذا كان معناه صحيحاً، ولم يكن الضعف شديداً في غير العقائد والأحكام بدون جزم في الرواية، وإنما يقال (روي) بصيغة التمريض، وذلك من باب الاستئناس والاحتياط. أما في مجال الأحكام والعقائد فلا يقبل الحديث الضعيف مطلقاً، والاستدلال به يدل على ضعف القول، والمقالات الصحفية ليست من هذا النوع. ثم إنّ المقال الصحفي ليس أطروحة علمية حتى يخضع لتخريج الحديث وبيان درجته. ومع تقديري لكل من يعلّق على درجة الأحاديث الواردة في المقالات الصحفية، آمل منهم - إذا كان لابد من التعليق - أن يشبعوا درجة الحديث بحثاً بذكر رواياته المتعدّدة التي قد يقوي بعضها بعضاً, ويذكروا كلام المحدثين على درجة الحديث مفصلاً مع التوثيق حتى تكمل الفائدة، أما الاقتصار على تضعيف الألباني وحده - مع إجلال علمه ورفعة قدره - فلا يكفي في نظري للحكم على الحديث، فهناك من سبقه في هذا الفن كالإمام الترمذي، والسيوطي، والهيثمي في الزوائد، والطحاوي، وصاحب كتاب الجوهر النقي على سنن البيهقي وابن حجر في التلخيص الحبير، وغيرهم كثير. وبهذا المنهج نكون قد حصلنا على تحقيق علمي متكامل يستحق النشر لعظم الفائدة. هذه وجهة نظر أحببت طرحها، لعلها توافق الصواب، وما توفيقي إلا بالله. د. إبراهيم بن ناصر الحمود المعهد العالي للقضاء