يزوّدنا الغرب دوماً بمنتجاته التقنية، ثم يستخدمها البعض للإيغال في شتمه، وبدلاً من أن يعاقبنا بوقف المنتجات، نجده يخترع مزيداً منها، وكأنه يحثنا على التمادي في شتمه من مبدأ «لا يرمى إلا الشجر المثمر». لقد اقتحمت «عالم تويتر» منذ أقل من شهرين، ولا زال يبهرني هذا العالم الفريد الذي بدا في أول أمره حلماً على يد السيد جاك دورسي ومجموعة صغيرة من زملائه في شهر مارس 2006، ثم انتشر على نطاق واسع قبل نهاية ذلك العام , إذ يقدر عدد مستخدميه حالياً في رحاب هذه المعمورة بأكثر من ثلاثمائة مليون إنسان. انتشر تويتر في المملكة بشكل سريع، إذ يقدّر عدد مستخدميه الناشطين بحوالي 100.000 حتى الآن، هذا عدا أولئك الصامتين الذين يتابعون، لكنهم لا يشاركون!. عندما تشارك في تويتر فسيكون لك متابعون، وستتبع أنت من تريد، ومع الوقت يزداد عدد متابعيك، وهذه تحديدا - أي أعداد المتابعين - أصبحت هدفا للكثيرين من طلاب الشهرة من شتى الأطياف الفكرية، وأصبحوا يتفاخرون فيما بينهم بأعداد الأتباع بشكل لا يتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، أو الرسالة التي يقومون بها، ووصل الأمر إلى أن منافسة شرسة جرت وما زالت تجري بين شخصيات شهيرة، إذ تحول الاهتمام من الفكر الذي يطرح، إلى من هو الأكثر أتباعا، ومؤلم أن يسير أهل العلم والفكر على هذا المنوال. لأجل ذلك، تم اتباع استراتيجيات كثيرة لزيادة الأتباع، فبعضهم يسجل بتويتر بأسماء وهمية ويضيفها إلى قائمة أتباعه!، وقد يتحاور معها أيضا، ما يعني أنه يتحاور مع نفسه!. لقد فات على هؤلاء أنهم لا يستطيعون الضحك على كل الناس كل الوقت، فقد تم فضح كثير منهم على رؤوس الأشهاد، إذ تبين أن هناك شركات متخصصة بزيادة عدد الأتباع، وعلى قدر دنانيرك يكون عدد اتباعك، ولا يهم ان كان هؤلاء الاتباع من السلفادور أو من جزر الكناري أو حتى من العوالم الأخرى التي لم يتم اكتشافها بعد، ومن أراد أن يعرف المزيد فليتفضل بزيارة السيد قوقل، ليتعرف على كل الاستراتيجيات بهذا الخصوص. أيضا فإن بعض الأسماء المعروفة تنأى بنفسها من أن تتبع أي أحد، فهم أكبر من هؤلاء الرعاع! ولذا فهم يكتفون باتباع من هو أشهر منهم وأصدقائهم فقط، وهذه غلطة لا أدري كيف وقعوا فيها، إذ قد فات عليهم أن عالم تويتر مليء بالطرح المتميز والفكر الرصين من قبل أسماء غير معروفة، حيث إن الجميع في هذا العالم التويتري سواسية، وأعترف هنا بأنني صدمت من الطرح المتدني والسطحية التي تميزت بها مشاركات بعض الأسماء الشهيرة، ولهذا فإن صاحبكم لا يتبع إلا قلة من الأسماء التي يشار إليها على أنها شهيرة. وختاما، جربوا أن تتبعوا أسماء غير معروفة، خصوصا من فئة الشباب، فهناك عالم جميل وطرح جاد وأفكار خلابة، ودعوكم من كثير من أصحاب الأبراج العاجية. فاصلة: «سئل الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - عن مسألة، فقال: لا أعلم، وعندما استغرب أتباعه، قال: (لا أعلمها ولا أقول فيما اعلم، ولا يغرنكم طول لحيتي والتفاف الناس حولي، والله لا اعلمها لا اعلمها)».