تعاني اليونان حالياً من أزمةٍ كارثيةٍ على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث سجّل حجم البطالة فيها معدلاً مرتفعاً قياسياً بلغت نسبته 18.4% في آب (أغسطس)، وتراجع قطاع البناء بنسبة 43.6% خلال الربع الثاني من العام الجاري. والأمر سيان بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي الذي تقلّص بنحو 5.5% خلال العام، في الوقت الذي توقّع فيه الاتحاد الأوروبي أن يبلغ معدل الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي في اليونان 200% تقريباً عام 2012، وهو مستوى قد يدفع الدولة نحو العجز عن سداد مستحقاتها. وفي مقابل كل ذلك، ثمة بوادر مشجعة تتلخّص في الاستطلاعات الأخيرة التي تشير إلى موافقة أكثرية اليونانيين على تعيين نائب الرئيس السابق للمصرف المركزي الأوروبي لوكاس باباديموس رئيساً للوزراء، ودعم حكومته الائتلافية الجديدة. ومن هذا المنطلق، لا بدّ أن تكون أولويات اليونان الملحّة واضحة. أولاً، على الدولة أن تؤمّن بتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر) الحصول على مبلغ 8 مليارات يورو (ما يساوي 10.7 مليارات دولار) الذي تحتاج إليه من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي من أجل تسديد التزاماتها ونفقاتها الملحة. ثانياً، على اليونان أن تنال أواخر كانون الثاني (يناير) 2012 المزيد من الدفعات من مبلغ ال130 مليار يورو كأموال إنقاذ. وأخيراً، يتوجب على اليونان أن تحترم التزامها القاضي بإجراء انتخابات في 19 شباط (فبراير) 2012 . إلا أن هامش الخطأ ضيّق. فعلى المدى المتوسط إلى الطويل، قد تنجح الحكومة الجديدة (أو خليفتها) في الحفاظ على عضوية اليونان في منطقة اليورو وإعادة الثقة بوضعها المالي وإنما فقط في حال: - تمكّنها من تطبيق الإصلاحات البنيوية التي يطلبها الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على المال. - تمكّنها من إرساء نظام ضريبي شفاف وعادل وفعّال؛ - تمكّنها من تسريع عملية خصخصة الأصول والشركات الحكومية. - تمكّنها من الحفاظ على إجماعٍ فاعلٍ بين الأحزاب السياسية التي تساندها. - مقاومتها ميل وزرائها إلى تلبية طلبات مؤيديهم السياسيين. - تمكّن زعيم المعارضة المتقلّب أنطونيس ساماراس من احتواء قلّة صبره لتبؤ منصب رئيس الوزراء، ودعم حكومة باباديموس. - توقّف كل من القطاع العام والاتحادات العمالية عن مقاطعة الإصلاحات المطلوبة والمبادرة إلى كفّ أعضائه عن القيام باحتجاجات. - موافقة قادة الاتحاد الأوروبي على التفاوض من جديد بشأن بعض الشروط المنصوص عليها في اتفاقية القرض الجديد والتي تُعتبَر الأقل شعبيةً والأكثر تأديبيةً من حيث الطابع. - وأخيراً والأهم، تمكّن الاتحاد الأوروبي من مواجهة أزمة ديونه الخاصة. ومن جهتي، لا أستطيع سوى الأمل بأن تكون هذه الأزمة بمثابة إنذار يقظة للشعب اليوناني بأنّ الوقت قد حان كي يحوّلوا تركيزهم من مصلحة الذات إلى المصلحة العامة. الحقيقة أنّ بلادنا لا يمكن أن تتجاوز محنتها وتزدهر إلا إذا تصرفنا على نحوٍ مسؤول كجزءٍ لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي. * شارالمبوس فلاشوتسيكوس هو مستشار ورجل أعمال سابق، يشغل في الوقت الحالي منصب أستاذ مساعد في «جامعة أثينا للدراسات الاقتصادية والأعمال» (Athens University of Economics and Business).