السعودية تستضيف المؤتمر العالمي رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات    آل سالم إلى «الثامنة»    احتفال سنان والصائغ بزواج ريان    مركز التنمية الاجتماعية بحائل ينفذ برنامج "الادخار العالمي" بالشراكة مع بنك التنمية الاجتماعية    الأخضر يدشن تحضيراته في أستراليا    ممثل رئيس جمهورية تونس يصل الرياض    تعادل أبها والعدالة إيجابياً في دوري يلو    ارتفاع منشآت القطاع الخاص إلى 1.35 مليون منشأة في 2024    «الصناعات العسكرية» تنظّم مشاركة السعودية في معرض الصين الدولي للطيران    161,189 مسافراً بيوم واحد.. رقم قياسي بمطار الملك عبدالعزيز    الدوسري مهدد بالإيقاف    الحق الأصيل    وزير الخارجية يترأس الاجتماع التحضيري للقمة العربية والإسلامية بالرياض    أحمد قاسم.. عرّاب الأغنية العدنية ومجددها    209 طلاب يتنافسون للالتحاق بالجامعات الأمريكية عبر «التميز»    القناوي: قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية تواكب النقلة في العلاج الجيني    السعودية واليمن.. المصير المشترك    5 أسباب لسقوط أسنان المسنين    تسلق الجبل الثاني.. رحلة نحو حياة ذات هدف    فلسفة صناعة كرة القدم    « ميامي الأمريكي» يفوز بجولة نيوم لكرة السلة «FIBA 3×3»    «جوجل» تلجأ إلى الطاقة النووية بسبب الذكاء الاصطناعي    المملكة تدين الهجوم الإرهابي في بلوشستان    مرحلة (التعليم العام) هي مرحلة التربية مع التعليم    وزارة الصحة تضبط ممارسين صحيين بعد نشرهم مقاطع غير لائقة    فلسطين تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الإبادة الجماعية    "روشن" تطلق هوية جديدة    عدم الإقبال على القروض    مهرجان الممالك القديمة    في مشهدٍ يجسد الحراك الفني السعودي.. «فن المملكة» ينطلق في«القصر الإمبراطوري» البرازيلي    الرياض.. تتفوق على نفسها    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    22.819 راكبا يستخدمون القطارات يوميا للتنقل بين المدن    النعاس النهاري بوابة لخرف الشيخوخة    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    Microsoft توقف عدة تطبيقات    لصوص الطائرات !    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    الزعيم صناعة اتحادية    تغير صادم لرائدة الفضاء العالقة    أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    «وقار وصحة» ترعى كبار السن في القصيم    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا    القبض على شبكة إجرامية في الرياض    هيئة الأفلام وتجربة المحيسن.. «السينما 100 متر»    209 طلاب يتنافسون على الجامعات الأمريكية    جامعة أم القرى تبدأ استقبال طلبات التقديم على برنامج دبلوم الفندقة والضيافة    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا        أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    بلدية محافظة الشماسية تكثف جهودها الرقابية لتعزيز الامتثال    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولي العهد رجل الحكم وسيف الشريعة

للتاريخ كلمة يقولها وشهادة يؤديها وحُكْم ينطق به على الدول ورسالاتها وأدوارها في الحياة؛ فميزانه دقيق جداً عند تقدير الأعمال وتقييم الآثار.
هذه المعاني تتأكد حقائقها، ويشهد لها ويترجمها الواقع الحي لهذه الدولة السعودية المباركة؛ فهي لا تعني أسرة حاكمة وملكها فحسب؛ فهي أسمى مقصداً وأشرف غاياتٍ وأصدق موقفاً وأعظم آثاراً ومنافع من هذا المفهوم الضيق، وأوسع من تلكم النظرة المحدودة.
ليس هناك دولة على وجه الأرض تُذكر فيحضر في الذهن حالاً الإسلام، ويتوجه الحديث عنه تلقائياً، سواها؛ فهي قلعته الشامخة وحصنه المنيع وصوته المدوي؛ لذا لم يكن بدعاً ولا غريباً أن يستهل سمو الأمير نايف ولي العهد تصريحاته بعد تلقيه البيعة من الرعية بقوله - حفظه الله -: «سندافع عن العقيدة الإسلامية أولاً»؛ فسموه يؤمن بأن الإسلام والدعوة السلفية هما قدر آل سعود، ورسالتهم في هذا الوجود، وقاعدة ومنطلق الحكم السعودي، تلازما عبر ما يقارب ثلاثة قرون، أثبتوا خلالها أحقيتهم وأهليتهم وصدقهم في حمل لواءهما؛ فالإسلام والدعوة السلفية أمانة وراية تعاهدوا على حِمْلها وتواصوا بحمايتها، وضحوا من أجلها بمهج النفوس، وأراقوا في سبيلها دماءهم الطاهرة، وفارقوا في نصرتها الأوطان العزيزة.
كلمات أطلقها سمو ولي العهد فدوت في الخافقين، وتاه بها الزمان، وأنصت لها التاريخ؛ فأثبتتها أقلامه في صفحاته، وحفظتها لأجيال الأمة القادمة، تُروى وتُستلهم. بهذا المنطق تتمايز الدول، ويتفاضل الحكام، وتتجلى الفوارق، ويكون المدح والذم بهما؛ فالمعيار الفاصل هو الإسلام ونفوذ أحكامه والشريعة وهيمنتها، ولا يُقارنُ مجنون فضلاً عن عاقل بين حاكم هذا نهجه وتلكم مبادئه، ألا وهي حراسة الدين والقيام بأمره والدفاع عنه ونشره، وحكام كانوا حروباً على الإسلام في دياره وأعداءً له، صدوا عنه وفتنوا فيه.. فالتاريخ شواهده لا تطمس، وأدلته لا تندرس. كلمات سمو ولي العهد هذه لن تضيع عند الله؛ فسيجد عاقبتها في شأنه جميعاً تأييداً ونصرة وتوفيقاً من الله وتمكيناً له في الأرض وإقبالاً بقلوب الخلق عليه وظفراً منه بطاعتهم وظهوراً على الأعداء وحفظاً لهذه البلاد. ولينصرن الله من ينصره، فمن أوفى بعهده من الله، ومن أصدق منه قيلاً.
وهذا هو ما غاب وخفي على الغرب؛ فبمجرد أن أذاع الديوان الملكي نبأ وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز - غفر الله له - تسابقت وسائلهم الإعلامية في الحديث عن الخلافة في المملكة العربية السعودية، وبدأ الحديث يطغى والتحليلات تتابع والنقاش يتوالى، وتنبؤوا بشخصية ولي العهد الجديد، ولم يدركوا أن الحكم السعودي له خلفية شرعية، أُسِّس عليها، وقام بها، يستند إليها، وينطلق منها؛ فثمة قواعد ملكية صارمة وتقاليد حازمة وضوابط دقيقة متبعة ومرعية تحكم عملية الترشيح وتخضع لها، وهي أُطر كافية لضمان سلاسة وسرعة تسمية ولي العهد الجديد، وجاءت رسالة خادم الحرمين للعالم جميعاً سريعة وحاسمة؛ فقد سمى ولي عهده الجديد بالمشورة مع حماة العرش أبناء الملك عبد العزيز؛ فأعطى القوس لباريها، رجل الأزمات والمهام الكبيرة والمسؤوليات الخطيرة، الأمير نايف بن عبد العزيز.
مع أن المجتمع السعودي قبلها كانت كلمته تتفق ورأيه يجتمع على شخص سموه؛ فهو الرجل المؤهَّل للنهوض بمسؤولية هذا المنصب وملء فراغ رجلٍ بحجم الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله -. كما لم يغب عن صاحب القرار خادم الحرمين الشريفين تقارب الشخصيتين، وتوافق الطبيعتين في كثيرٍ من النواحي، وتطابق وجهات النظر والرؤى حول مجمل القضايا وغالب الوقائع والأحداث.
حين تأتي سيرة سمو الأمير ويكون الحديث عنه يحضر في العقل وتمر بالذاكرة أحداث مهمة ومراحل خطيرة عاصرها الأمير، شابتها الزلازل في هولها ودونها الحروب في سعيرها، وعاها سموه وأفاد منها، وكأنما عناه الشاعر بقوله:
وما كُنتَ ممن أدرك الملك بالمُنى
ولكن بأيام أشبن النواصيا
وكذلك:
يكون غراراً نومه من حِذاره
على بيضة الإسلام والخلق راقد
فكوَّنت شخصيته، ورسمت ملامحها، وأهَّلته لمقارعة الخطوب، وأعدته لمنازلة الشدائد؛ ففيه يتجسد تاريخ الدولة والحكم بكل ما لهاتين الكلمتين من معانٍ دقيقة ودلالات عميقة؛ فهو كما قال الشاعر:
يهمي الردى والندى من راحتيه
فلا عاصيه ناج ولا مؤمله محروم
سماحاً وبأساً كالصواعق والحيا
إذا اجتمعن في العارض المتراكم
لقد ولج سموه معترك العمل السياسي والإداري، وتقلَّد المسؤوليات الجسام، وخاض بحور السياسة، وشارك في أعباء ومهام الحكم وإدارة البلاد وهو دون العشرين من عمره.
والمرء حيث يضع نفسه
ولأمر ما يسود من يسود
سموا للمعالي وهم صبية
سادوا وجادوا وهم في المهود
الحديث عن سمو الأمير نايف بن عبد العزيز يعني تاريخاً مدوياً ومجداً باذخاً يشمخ علواً ويتلألأ شرفاً وكمالاً، يعبق عطراً زاكياً، ويفوح نشر طيبه؛ فتشاهد ملامح تأسيس وتشكيل وتطوير المؤسسة الأمنية في البلاد وكيف كان الأمير نايف عبقري البناء ورجل النهوض وباعث التطوير؛ فتناهت قدرة وقوة وكفاية فنحوها يشير البنان وبها تُضرب الأمثال.
يُذكر سموه فيحضر الأمن بكامل تفاصيله وأدقها؛ فقد باشر مهامه وتولى مسؤولياته؛ فأقام حصونه وقلاعه وأحكم بناءه. من أعظم وأجل مفاخر هذه الدولة الحج؛ فقد أصبح آيةً في الأمن وبسطه، ونعمةً من الله - عز وجل - يتقلب فيها الحجاج، وتزهو وتختال به فريضته، وهي التي أنهكتها جراح المفسدين وأثخنها عدوانهم. لقد سبقت الدولة السعودية في هذا المضمار سبقاً عجيباً، يكاد يفضي بالمرء لتكذيب عينيه والتشكيك فيما يشاهده واقعاً عند مقارنته بسابق أحوال الحج وما كان يرافق هذه الفريضة من معاناة ويصاحبها من كوارث ونكبات وما يُروى تاريخياً عن مهالكها، لكنها في ظل الدولة السعودية بلغت في الأمن غاية قصوى لا مطمع بعدها في مزيد، وإنما هو الدعاء بدوامه وبقائه، فلم يُسمع منذ عصر الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - بمثله، فما كان أمنية وأملاً لكل مسلم ومسلمة ها هو يتجسد اليوم حقيقة، ويتمثل واقعاً، يشهد به كل من قام بهذه الفريضة وأدى هذا النسك؛ فمنذ قرون عديدة، وربما لا أبالغ حين أقول إنه منذ ما يقرب من اثني عشر قرناً، والحج ضحية لفوضى وتجاهل الخلافات والممالك الإسلامية، حتى جاء الله بهذه الدولة فبسطت سيوفها الأمن، وأنهت حقباً زمنية تقادمت عهودها، وهيمنت المخاوف والمهالك عليه من حين الهم به والسير نحوه وحتى في بقاعه المقدسة.
حين يبحث الإنسان في تاريخ الإسلام يطالع في كتب التواريخ عبارة تتردد فيها (وحج بالناس)، ويسمونه؛ لكون هذا المنصب والقيام عليه أمراً في غاية الأهمية، وشأنه عظيم؛ لذا كان يذكر في تسلسل الأحداث ويؤرخ به.
في عصور قوة الدولة الإسلامية كان يتولاه ويباشره الخلفاء، وهكذا ظل الأمر حتى ضعفت الأمور، وتغيرت الأوضاع، وتبدل حال الأمة؛ فعُهِد به إلى وزرائهم أو بعض حاشيتهم حتى جاءت الدولة السعودية؛ فأعادت للحج هيبته وجلالته؛ فصار ملوكها يشهدون مواسم الحج ويحضرونها، يصحبهم كبار أمرائهم كالأمير نايف، ولا أعلم أحداً في تاريخ أهل الإسلام قاطبة قام على أمر الحج وباشر مهامه وأشرف عليه وتقلد مسؤولياته سبعة وثلاثين عاماً كل هذه المدة سوى الأمير نايف بن عبد العزيز، وهي منقبة له لا يشاركه فيها أحد من أهل الإسلام، وهو بمشيئة الله داخل في الحديث «عينان لا تمسهما النار: عين باتت تحرس في سبيل الله...»، وأما الأخرى فأنا على يقين منها.
الأمير نايف بن عبد العزيز رمزٌ وطني، وهو جبل الحكم وحكيم الدولة، نمته أعراق عبد العزيز.
فتىً علمته نفسه وجدوده
قراع الأعادي وابتذال الرغائب
وهو المجد ليس يحويه من
لم يتقدم فيه أبوه وجده
فلا قطع الرحمن أصلاً أتى به
فإني رأيت الطيب الطيب الأصل
شرف تتابع كابراً عن كابر
كالرمح أنبوباً على أنبوب
وأرى النجابة لا يكون تمامها
لنجيب قوم ليس بابن نجيب
نجيب مناجيب وسيد سادة
ذرى المجد من فرعي نزار تفرعا
لقد أحكمت رأيه التجارب، وحنكته الأيام، وصنعته وأحداث الحياة؛ فتكونت مواقفه الراسخة والخالدة في أذهان أبناء هذا الوطن تُذكر بفضله، وتشهد بكفاءته وأهليته ودوره البارز في ترسيخ أمن هذه البلاد وحماية حدودها وحراستها من مخططات الأعداء الحاقدين.
فهو - والحق يقال - جبل راسخ وسد منيع، حال - بتوفيق الله - دون تحقيق مطامع ومخططات ومؤامرات المتربصين بهذه البلاد الطاهرة.
الناس قد يعون خطورة منصب وزير الداخلية عموماً، لكن قليلاً منهم من يستوعب تضاعف أهمية وخطورة هذا المنصب لدينا عن بقية دول العالم؛ فيغيب عن أذهانهم ولا يرد في تفكيرهم مساحة المملكة العربية السعودية؛ فهي دولة بحجم قارة، حدودها مع الجيران بآلاف الأميال، يوجد فيها ما يزيد على ثمانية ملايين وافد، ويقصدها ما يربو على خمسة ملايين ما بين معتمر وحاج، وذلك طوال العام. ناهيكم بسكان البلاد، وقد قاربوا عشرين مليون نسمة.
تقع في منطقة ما زالت، ومنذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، بؤرة ملتهبة، تعيش أحداثاً متفجرة وحروباً دامية عصفت مخاطرها بمن حولنا من الدول؛ فأذهبت أمنها وعبثت به؛ لتعمها الفوضى، ويحل فيها الخراب بكل ما تعنيه هذه الكلمات من حقائق وما تمثله من واقع سيئ ومؤلم، وحمى الله - عز وجل - هذه البلاد وحفظها بفضله قبل كل شيء ثم بوجود قادة كان لهم أعظم وأجل الأثر في النأي بالبلاد عن النزاعات والبُعد بها عن الصراعات وتجنيبها كوارث الحروب، وأعانهم رجالات حكم أفذاذ ونوادر، في مقدمتهم وعلى رأسهم الأمير نايف؛ فقد تكاملت شخصيته حزماً ووعياً وقوةً وتمرساً بالأزمات.
الأمير نايف بن عبد العزيز حين يتحدث يمثل دولته حقاً، وتفاخر به قيادتها؛ فهو يعرف ثوابتها والأسس التي قامت عليها، يحامي عنها، ويدافع بكل قوة، ويعتقدها ديناً، وهو يذكِّر بالخلفاء وملوك الإسلام العظام في أحاديثه؛ فلها سحر العربية وجمال بلاغتها، تنم عن قراءات واسعة وثقافات أصيلة ومطالعات عميقة؛ ما يجعل سامعه يؤمن بمقولة تُنقل في وصف أحد الخلفاء بأن العلماء كانت بين يديه تلامذة. إنها نفس عزيزة أبية عربية إسلامية، تدرك دورها ومسؤولياتها تجاه دينها وأمتها.
يهديهم الأسد المطاع كأنه
عند اجتماع الجحفل المتضايف
عمرو القنا في مذحج أو حاتم
في طيء أو عامر في خندف
المؤتمرات الصحفية ولقاءات سمو الأمير وظهوره الإعلامي
حين يتأمل المتابع له ما يرد في ثنايا كلام سموه يحمد الله - عز وجل - على وجود هذا الرجل، وتطمئن نفسه؛ فنحن بخير، والبلاد في أيدٍ أمينة؛ فالقائمون على أمورها والمسؤولون عن حمايتها رأسهم الأمير نايف، عقل يزن الجبال رزانةً، ويتناهى حكمةً وإدراكاً وتصوراً للواقع ووعياً بالمسؤولية وقدرة على النهوض بها.
جزى الله خادم الحرمين الشريفين عن رعيته خير الجزاء؛ فقد محضهم النصح، وصدقهم الرأي، وأخلص لهم المشورة؛ فهُدي للحق في قراره، فتعيين سموه في منصب ولاية العهد يُذكِّر بعجز بيت شعر: (فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها).
هذا هو نايف بن عبد العزيز، سور الدولة وحمى البلاد وسياج الأمن، ما زالت ترن في المسامع وتتجاوب في الآفاق صدى كلمته - حفظه الله - في رده على سؤال أحد الصحفيين حينما طالب بإنهاء دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأتى جوابه فوراً كالصاعقة تعبيراً عن صلة هذه الدولة بالإسلام وديمومة رسالة حكامها تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة وجهازاً، وهما باقيان ما بقي الإسلام في هذه البلاد، كلمة قالها في فترةٍ عصيبة ظن بعض المرجفين أن الحملة على المملكة في الغرب قد تنجح في ثني قادتها عن التخلي عن الإسلام، لكنهم لا يعرفون معادن القوم، ولا ما يعنيه الإسلام لهم وما يمثله الدين لهذه الدولة؛ فقيامها بأمر الإسلام وحمايته والذود عنه هو أول المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم في هذه الدولة المباركة.
لقد قضى الأمير نايف بن عبد العزيز سبعة وثلاثين عاماً في وزارة الداخلية؛ فكشف عن قدرات فريدة ومواهب معجزة، وأثبت أهليةً محيرة في حماية وتوطيد الأمن في هذه البلاد المباركة، وهو ما شهد له به الأعداء والخصوم قبل الأصدقاء.
يقوم مقام الجيش تقطيب وجهه
ويستغرق الألفاظ من لفظه حرف
والأمير رغم طبيعة العمل وحساسية المسؤولية اللتين تقتضيان الحزم والصرامة والقوة والبأس والشدة والقسوة على أهل الشر والفساد والمتربصين بهذه البلاد الغوائل يذكرني بقول الشاعر:
قاسمته أخلاقه وهي الردى
للمعتدي وهي الندى للمعتفي
حروف هجاء الناس فيه ثلاثة
جواد ورمح ذابل وحسام
لكن الله جعل في قلبه من الرحمة بالرعية والشفقة والعطف عليهم ما يفوق ذلك بكثير، وجبله على الحلم والرفق والأناة في أموره كلها، في سجوننا تُخفف العقوبة إذا أتم السجين حفظ القرآن، وعند غيرنا قد تكون سبباً في السجن، وحتى حين بُليت البلاد ببعض من ظنوا الغلو ديناً كان سموه حريصاً على عودتهم للحق وبيانه لهم ورجوعهم عن أفكارهم؛ فهم أبناء البلاد، والعقوبات القصد منها الردع والزجر فلا بد أن يُستصلحوا؛ ليكونوا أعضاء نافعين لأمتهم ومجتمعهم، وهذا بالتأكيد في حق من لم تتلوث يده بالدماء؛ فهو من أعطف وألين من يُعرف، يخضع للحق ويفيء إليه ويقبله وينتصر له ويسعى لتطبيقه والتمكين له؛ فهو سيف الشريعة ولسان الدعوة ودرعها الحصين.
حباه الله تديناً صادقاً يذكر بقول الشاعر:
وأنت مع الله في جانب
قليل الرقاد كثير التعب
ويشهد بصدق المقولة «ما شُرب مع الحليب لا يخرج إلا مع الروح». يعرف ذلك عنه كل من له به مخالطة أو صلة. أما العقل فأظنه لو تمثل عرضاً لجاء على صورته، تلازم عجيب وتوفيق من الله وتأييد حين يجمع الله العقل والدين والحزم والحلم والعلم في ولي أمر يسوس أمة، ويحوطها، ويقوم على شأنها؛ فما أسعد الأمة بولايته وما أعظم النعمة به.
هناك رجال يتشعب مجال القول فيهم، ويتسع؛ فتحار عند الحديث عنهم الصفات، والأخلاق تتكاثر؛ فيجد الإنسان نفسه أمامها مشدوهاً، ويتداخل الكلام، وتختلط الأولويات عليه والتراتيب عندما يهم المرء بشيء من ذلك. وهذا هو الأمير فهو كما قال الشاعر:
عذبت ممادحه بأفواه الورى
ويختال أن تعلو عليه المنابر
تجاوز قدر المدح حتى كأنه
بأبلغ ما يُثنى عليه يعاب
جل عن مذهب المديح فقد
كاد يكون المديح فيه هجاء
وحديث مجد عنك أطرب
حُسنه حتى ظننا أنه موضوع
في كل أزمة تظهر بوادرها وتطل برأسها، ومهما جلت وعظمت يثبت الأمير أنه رجلها فتنقشع سحبها، وتنكشف غيومها، وتتجلي غمراتها، وتزول شدتها بثاقب فكره وسديد رأيه وحسن تدبيره، وتصبح تجربة عميقة تتعلم منها المؤسسة الأمنية وتستفيد وتضيف لها وتتكون منها خبراتها وتغدو سلاحاً من أسلحتها.. فرجل الأمن هو محور وحجر الزاوية في العمل الأمني ووزارة الداخلية بقطاعاتها الضخمة ومسؤولياتها الخطيرة، وسمو الأمير وهو يعتلي هرمها يسطر مع رجاله ملحمة من ملاحم هذا الوطن جهاداً فيه ودفاعاً عنه، والعظماء يحيطون أنفسهم دوماً برجالات لهم قامات كبار وأعمال ضخام، وهذه من أوضح صفات الأمير وأجل أخلاقه، وقد ضم إليه وأدنى منه مسؤولين وكفاءات نهلوا من آرائه واقتبسوا من أساليبه في الإدارة والحكم؛ فلا غرو إن تعلمت على يديه وتخرجت من مدرسته قيادات وكوادر أمنية دفع بها الأمير لمواقع المسؤولية، وأوكل إليها مهام خطيرة؛ فكان شبله الأمير المبجل (محمد) أنبغ الخريجين وأنجب التلاميذ باقعة الأمن ونابغته، وسهم والده الصائب حين تطيش السهام، وسيفه القاطع إذا ما نبت الصوارم الحداد؛ فقد رمى به في نحور الأعادي، ودفع به في وجه الشدائد، وألقى به في الحروب، وأي حرب أعظم من الإرهاب؛ فهو يقاربه صفات وأخلاقاً؛ فهو سر أبيه، ومن شابه أباه فما ظلم؛ فكاد أن يكون والده؛ فهو من أياديه البيضاء وهداياه الغراء لصرح الأمن.
الأمير نايف صاحب قدرة فائقة وسريعة على صنع القرار والمبادرة به، رجل مسؤولية عميق الولاء لمبادئه وقيمه وأخلاقه الإسلامية والعربية والوطنية، لا يحيد عنها؛ فله رسوخ الجبال وثبوتها؛ فحين تهب العواصف وتقع النوازل تظهر معادن الرجال وتُكتشف أصالة فكرهم، وتتبين عزائمهم، ويتجلى مضاء آرائهم.. فبها يتبينون، وعندها يعرفون العقيدة الإسلامية والسيادة الوطنية، وأمن البلاد مبادئ مقدسة عند سموه.
لقد ظل الأمير سداً منيعاً حمى الله به البلاد من مكاره وشرور لا يعلمها سواه؛ فحفظ به للإسلام وأهل التوحيد شوكتهم، ودافع عن هوية البلاد الإسلامية في وجه دعاة التغريب وأصحاب الأهداف المشبوهة، وعندما وقعت أحداث سبتمبر وجاءت معها الضغوط الخارجية كان سموه رجل العقيدة والمنهج والدعوة والوطن صموداً في وجهها وقوة في دفعها وصلابة في صدها.. فحال دون بلوغ أصحابها أهدافهم ونيلهم مآربهم؛ فكان عزيزاً بدينه مفاخراً بعقيدته منافحاً عنهما، يرد ويرفض كل دعوى وفرية قد تلصق بهما؛ فجعل الله له العاقبة، وحمى به الملة والدين، وحفظ البلاد من مكائدهم؛ فلم يسعهم وقد رأوا ما هالهم وأعياهم صلابة وقوة وبأساً وشموخاً وأنفة سوى النزول على قوله والرجوع لرأيه وتقدير حكمته وتجربته والثقة في قدراته، ولله در الشاعر ففي سمو ولي العهد يصدق قوله:
وإذا خطاب القوم في الخطب
اعتلى فصل القضية في ثلاثة أحرف
مستظهر بذخيرة من رأيه
يُمضِي الأمور وبحرها لم يُنزف
تبدو مواقع رأيه وكأنها
غُرر السوابق من يفاع مُشرف
أسأل الله لسموه التوفيق في مسؤولياته والسداد في أعماله والمعونة من ربه في جميع أموره وأحواله كافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.