في ظل تزايد المخاوف العالمية من نقص الغذاء يفتح منتدى الرياض الاقتصادي في دورتة الخامسة التي ستقام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين خلال الفترة من 17-19 ديسمبر القادم، ملف «الأمن الغذائي بين الزراعة المحلية والاستيراد والاستثمار الزراعي الخارجي» بهدف تحقيق الأمن الغذائي لأهم السلع الغذائية الإستراتيجية. وتأتي هذه الدراسة التي تترقبها الأوساط الاقتصادية بالمملكة في ظل ما تؤكده تقارير المنظمات العربية والدولية من صورة قاتمة لواقع القطاع الزراعي وما يترتب عليه؛ فالمساحة الخاصة بالأراضي المزروعة لا تتجاوز 5% من مجمل مساحة العالم العربي ونسبة الاستثمارات في القطاع تصل لنحو 9% من إجمالي الاستثمارات العربية في القطاعات الإنتاجية الأخرى، كما تساهم الزراعة بحوالي 13% من الإنتاج المحلي للوطن العربي، وتبلغ نسبة ما يستورده العالم العربي من الخارج في حدود 45% من حاجاته الغذائية. وكان المنتدى قد كشف خلال دورته الرابعة في دراسة «الأمن المائي والغذائي» أن جملة المساحة المزروعة في المملكة بالحبوب تقلصت من 641010 هكتاراً في عام 2003م إلى أن وصلت إلى 526137 هكتاراً في عام 2007م، أما من حيث الإنتاج الكلي للأعلاف في المملكة فقد انخفض من نحو 2.65 مليون طن في عام 2003م إلى 2.36 مليون طن في عام 2006م، ليرتفع إلى حوالي 2.68 مليون طن في عام 2007م بلغ إنتاج الخضروات في المملكة في عام 2003م حوالي 2.21 مليون طن في مساحة 114447 هكتار، ثم تزايد عاماً بعد آخر إلى أن وصل إلى 2.59 مليون طن في عام 2007م بمساحة مزروعة بلغت 112163 هكتار. كما بينت الدراسة أن المملكة لا تنتج أية كمية من الأرز وقد تذبذب المتاح منه للاستهلاك بين 689 ألف طن في عام 2003م وحوالي 1.21 مليون طن في عام 2004م ثم انخفض إلى أن وصل إلى 959 ألف طن في عام 2007م. وهذا التذبذب ناتج عن تذبذب الواردات وإعادة التصدير. وقد دعت الدراسة في هذا الإطار إلى مجموعة من التوصيات منها إعادة هيكلة التركيب المحصولي أو الأنشطة الإنتاجية ومستوياتها المقترحة على مختلف مناطق المملكة بناء على مبدأ الميزة النسبية، وتخفيض الطلب على المياه المستخدمة في الزراعة من خلال اتباع السياسة المقترحة بتخفيض زراعة الأعلاف بنسبة تصل إلى 80% بحلول عام 1445ه، ووقف زراعة القمح خلال الثمان سنوات القادمة، إلى جانب التركيز على التوسع الزراعي الرأسي، أي تحقيق زيادة إنتاجية بعض المحاصيل في مناطق معينة استناداً إلى الإمكانيات الفنية والمناخية التي تتمتع بها كل منطقة، بالإضافة إلى دعم الجمعيات التعاونية الزراعية لتفعيل دورها في توفير مستلزمات الإنتاج وفقاً لأفضل التقنيات الحيوية والهندسية والكيميائية. خلل بين الإنتاج والاستهلاك يقول الدكتور عبد العزيز الداغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية: إن الدراسة التي من المرتقب تقديمها خلال المنتدى تشكل عنصراً مهماً في استكشاف الواقع واستشراف المستقبل، مشيراً إلى أن الأمن الغذائي لم يعد مشكلة اقتصادية فحسب بل يعد قضية تشغل بال العالم كله، مشيراً أن السبب الأول هو النقص العالمي في المعروض من الغذاء، والخلل الواضح بين مناطق الإنتاج ومصادر الغذاء وبين مناطق الاستهلاك فضلاً عن الآثار الواضحة لتغير المناخ، وانتشار الأوبئة والمجاعات وضعف آلية السوق في التوازن بين العرض والطلب بسبب القيود التجارية أو الاضطرابات السياسية التي تستخدم الغذاء كوسيلة سياسية بعد أن ابتعد الإنسان في الغالب عن الاحتكام إلى أخلاقياته الإنسانية. وأضاف: بالفعل فقد حدثت أزمة عالمية مؤخراً اجتاحت العديد من دول العالم أدت تبعاتها إلى رفع أسعار الغذاء بنسبة 300 %، وانخفض على أثرها المخزون الغذائي العالمي لأكثر من 11 %، ولم يكن المستهلك السعودي في منأى عن تلك الأزمة حيث أثرت على شريحة واسعة داخل المجتمع. وحول التوقعات المستقبلية لهذه المشكلة وعواقبها المنتظرة، يقول الدكتور الداغستاني: إن هذه هي الأطر العامة لمسألة الأمن الغذائي حيث تعد مسألة لها تبعات أكثر في المنطقة العربية بحكم موقعها الجغرافي وأوضاعها الاقتصادية والأزمات السياسية التي تعصف بها والتي أثرت في مجملها على فاتورة الغذاء العربي وأصبحت تميل إلى الاستيراد وضعف الإنتاج المحلي. وحول التوقعات المستقبلية لمشكلة الأمن الغذائي، يقول الدكتور الداغستاني: إن الأمن لغذائي حاليا يشكل مشكلة تنموية حقيقية في الدول العربية عموما، وتعد بالنسبة للمملكة العربية السعودية من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام أكثر، لذلك طرحت فكرة الاستثمار الزراعي في الخارج حيث يمكن أن تكون بديلا لضعف الإنتاج الغذائي المحلي ولكن وفق معايير اقتصادية واضحة تضمن عائدا مجزيا والمحافظة على رأس المال المستثمر بسبب ما تتعرض له كثير من الدول حاليا من أزمات سياسية تؤثر سلبا على الاستثمار. الاستثمار الخارجي ليس حلا ويرى سعد الخريف من المستثمرين الزراعيين في الخارج، يرى أن الاستثمار الزراعي الخارجي ليس بديلا عن الزراعة المحلية ولكنه مكمل لها فضلا عن أن طريق الاستثمار الزراعي الخارجي ليس طريقا مفروشا بالورود نظرا للعقبات والصعوبات التي يواجهها المستثمر بمفرده في الخارج، ولخص الخريف عددا من المعوقات التي تواجه المستثمر السعودي في الخارج ومنها اختلاف الأنظمة الاستثمارية في البلدان المستهدفة بالاستثمار الزراعي وعدم وجود اتفاقيات زراعية ثنائية رسمية بين المملكة وتلك الدول إلى جانب عدم التزام الدول المستهدفة بالاستثمار بوعودها للمستثمر السعودي فيما يتعلق بالمزايا والحوافز وذلك لأن العلاقة بين فرد ودولة وليس بين دولتين وعدم وجود ملحقين تجاريين أو زراعيين في السفارات السعودية في المناطق المستهدفة. وقال الخريف: إن المستثمر بالخارج لا يحتاج لدعم مادي بقدر ما يحتاج إلى حماية ودعم قانوني وسياسي، داعيا إلى ضرورة تنظيم عمل مؤسسي لحماية المستثمرين بالخارج ومعالجة السلبيات التي تواجههم.