أثلج صدري وزاد من سعادتي صدور الموافقة السامية الكريمة على إنشاء جامعة فهد بن سلطان الأهلية بتبوك كيف لا يكون ذلك، ونحن بهذه الموافقة الكريمة نحتفي بإضافة صرح شامخ من صروح المعرفة يقام على بقعة غالية من بلادنا هي بوابة بلادنا الشمالية، وهل هناك أثمن في تاريخ الأمم من أن تحتفي بإقامة منارة من منارات العلم ونشر الثقافة، وهل هناك من يضاف إلى قائمة الخالدين في تاريخ الشعوب من أولئك الذين بذلوا أموالهم وجهودهم وهم يضيفون في بناء تطور الشعوب مدماكاً يعلي من قيمة الإنسان وينير عقله وبصيرته. إن البناء الثقافي والحضاري والمعرفي تمثل القواعد الأساسية لإيجاد الإنسان القادر والمتمكن من مساعدة أمته ووطنه على أن يحتل له موقعاً متميزاً بين أمم الأرض.منذ بداية تأسيس دولتنا العظيمة التي أرسى قواعد بنائها رجل عظيم يسانده رجال عظماء، وهي تناضل منذ الانتهاء من فترة التأسيس من أجل إيجاد الإنسان الذي يملك الإمكانات والقدرة على إعلاء بناء التأسيس والحفاظ على ما أنجزه المؤسسون؛ فقد كانت مرحلة ما بعد التأسيس تمثل مرحلة لا تقل أهمية عن المرحلة التي سبقتها؛ لكونها كانت هي مرحلة بناء الدولة العصرية التي تتطلب إيجاد الكوادر والقوى التي تتطلبها المرحلة؛ وهذه المتطلبات لا يمكن توفرها إلا بتوفر الرجال والنساء المتسلحين بسلاح العلم والمعرفة. ولقد كان المؤسس العظيم -رحمه الله- يدرك ذلك جيداً، فلم يكن ببلاده قبل إكمال توحيدها من المدارس والمعاهد إلا النزر اليسير في بعض الحواضر لا تتجاوز كتاتيب ومدارس بدائية لا يمكن الركون على خريجيها في سد احتياجات ومتطلبات بناء دولة عصرية وتعويض شعب حرم من التعليم على مدى قرون طويلة. فسارع -رحمه الله- إلى فتح المدارس العصرية في معظم مدن وحواضر بلاده، وأولى التعليم النظامي العصري اهتماما بالغاً، لأن المرحلة تتطلب رجالاً سلاحهم المعرفة العصرية في مجالات الإدارة والسياسة والطب والهندسة والعلوم العصرية؛ وفي مجالات تكوين جيش حديث قادر على حماية الوطن ويسهم في بنائه الحضاري. وما أن أصبحت تلك المدارس تخرج أفواجاً يسدون الحاجة في القيام بأعمال إدارة دولة حديثة، حتى انتقى المتميزين منهم ليلتحقوا بمدرسة تأهيلية متقدمة في مكةالمكرمة اسمها مدرسة تأهيل البعثات تعد شباب الوطن المتميز للابتعاث إلى الخارج لإكمال تعليمهم في مختلف التخصصات، وإلى كل البلدان؛ فعادت طلائع تلك البعثات لؤسسوا الدولة الحديثة العصرية وزادت بفضل سياسة الملك المؤسس المدارس لتشمل -تقريباً- كل قرية وناحية.إن نظرة المؤسس العظيم الاستشرافية إلى بناء مستقبل هذا الوطن هي النظرة التي أصبحت منهجاً يسير على ضوئها أبناؤه من بعده بأن لأبناء هذا الوطن والحفاظ على وحدته والارتقاء بمستوى معيشة أبنائه إلا بالعلم والمعرفة، وأن الاستثمار في بناء الإنسان هو الدعامة الأولى لبناء الوطن. لم يكن الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك استثناء من هذه القاعدة الاستشرافية التي ورثها من جده العظيم بأن الرقي بالمناطق ورفع مستوى معيشة أبنائها تبدأ بالارتقاء بالإنسان نفسه من خلال إيجاد الصرح العلمي الذي يساعده في بناء نفسه، وبناء منطقته، وبناء وطنه. وقَدَرُ المناطق الطرفية أن التعليم الجامعي قد تأخرفيها فترات طويلة، ما جعل أبناءها يهجرونها في طلب العلم في المدن الكبرى، وكثير من أبناء هذه المناطق آثر البقاء في الأماكن التي تعلم فيها، أو في المكان الذي وفر له فرصة عملية أفضل، وظلت المناطق الطرفية -وأنا ابن إحدى تلك المناطق- تفقد أبناءها، وتفقد بفقدانهم القادرين على المساهمة في ارتفاع مستوى التنمية في تلك الأقاليم بما في ذلك التنمية الثقافية والفكرية والحضارية التي لا تنمو إلا حيث تتوفر الجامعات التي يأتي نشر الوعي والفكر والثقافة من أهم رسائلها.من هنا أدرك سمو الأمير فهد بن سلطان منذ أن أوكلت له القيادة إمارة هذه المنطقة المهمة من مناطق بلادنا بأن التعليم الجامعي الذي تفتقده منطقة تبوك، وهي منطقة تتمتع بكل المزايا من حيث الموقع والإنسان قبل كل شيء هو ما يجب أن يتم المسارعة إلى نشوء جامعة أهلية وبمبادرة شخصية رائدة من لدن سموه، وبتشجيع ودعم من قبل أركان القيادة. لقد كان لي شرف زيارة هذه الجامعة مع نخبة من المثقفين السعوديين أثناء ندوة فكرية نظمها نادي تبوك الأدبي في السنة الماضية، وكان لي شرف الالتقاء بهيئة التدريس في هذه الجامعة الفتية والسماع إلى ما تحمله هذه الجامعة من آمال لأبناء وبنات تبوك، والاطلاع على منشآتها المذهلة وموقعها المتميز وخططها المستقبلية الواعدة، ما جعلني أمني نفسي بأن تكون لأحفادي وحفيداتي مقاعد في هذه الجامعة، وأحمد الله على أنني عشت ورأيت جامعة أهلية بهذا المستوى؛ وأتمنى أن أرى في كل منطقة أكثر من جامعة أهلية مثل جامعة فهد بن سلطان نحن -بحمد الله- لدينا رجال أعمال يملكون الأموال الكثيرة التي تمكنهم من إنشاء جامعات أهلية يستثمرون فيها أموالهم؛ وهم بذلك يستثمرونها في بناء عقول أبنائنا وبناتنا، وليس لهم عذر بعد اليوم أية معاذير يتعذرون بها مثلما كان هناك قبل فترة توجس وخيفة من الجامعات الأهلية من قبل بعضهم. أما اليوم فالدولة دولة العلم والمعرفة تشجع وتدعم وتمنح القروض السخية لكل وطني مخلص يسهم في بناء أبناء وطنه ورقيهم من خلال تأسيس جامعات ألية. أكرر التهنئة لأبناء تبوك وأميرها على صدور الموافقة السامية على إنشاء جامعة فهد بن سلطان الأهلية.