كان الفرح الكبير منطقياً بعد أن تجاوز المنتخب السعودي الأول على اعتبار أن الأخضر أخذ وقتاً طويلاً في محاولات مستميتة لإعادة الثقة للجماهير بعد نكسة أمم آسيا الأخيرة بقطر وما تبعها من نتائج مخيبة جسدت واقع اللاستقرار داخل بيئة المنتخب أكدتها نتائج المرحلة الأولى من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم بعد تعادلين مع عمان وتايلند وهزيمة من أستراليا وجاء الفوز على تايلند بثلاثية نظيفة ليحقق بناءً معنوياً مهماً كسر حاجز النحس الذي طارد الأخضر طوال ستة لقاءات رسمية خاضها خلال الفترة الأخيرة لم يحقق معها الفوز سوى بلقائي (هونج كونج) قبل انطلاق المرحلة الثانية من تصفيات القارة الآسيوية للتأهل لكأس العالم المقبلة. أجمل ما انتهى إليه اللقاء أمام تايلند يتمحور حول ثلاثة أشياء رئيسية الأول منها يتضمن التصريح الإعلامي الهادئ والحكيم والرزين للأمير نواف بن فيصل والذي شكر اللاعبين على روحهم وقتاليتهم ولعبهم الجميل وضاعف مكافآتهم، لكن ذلك لم يجعله ينسى التشديد على أن الأفراح منتهية بداية من صباح أمس السبت تأهباً للقاء عمان، حيث قال للاعبين: الليلة نفرح لكن غداً ننسى ونتدرب لأن عمان فازت على أستراليا وإن كان أملها ليس بذلك القوة لكن علينا أن نحترم المباراة المقبلة ونقدم لها الروح التي شاهدتها اليوم.. كان تصريحاً واقعياً وجميلاً يكشف أن حالة من الشفافية والثقة تدور بين أرجاء العمل داخل منظومة أركان الأخضر السعودي. الثاني من تلك العوامل الجميلة حضر بقوة وملأ أركان الملعب بقوة مضاعفة.. أنها الروح بين اللاعبين حيث كانوا أسوداً في كل مكان يركضون ويحاورون ولا يتعبون يداً واحدة من أجل الفوز وهو ما تحقق.. ثالث العوامل الجميلة ثقة الجمهور السعودي بلاعبي الأخضر وحضورهم وتشجيعهم المستمر ووقوفهم مع اللاعبين في ترجمة لعلاقة أزلية بين المشجع السعودي ولاعبي منتخب بلادهم، والأكيد أن العدد سيتضاعف مرات كثيرة في مباراة عمان الثلاثاء المقبل. الحذر من الأخطاء والهفوات: حقيقة لم يكن التايلنديون مستعدين لمهاجمة المرمى السعودي بجرأة كبيرة مع افتقادهم لأكثر من لاعب أساسي وضعف تحضيراتهم بسبب أوضاع بلادهم الغارقة بالفيضانات، ولهذا لا يمكن اعتبار المباراة محكاً رئيسياً مقوماً لأداء الأخضر ولاعبيه بشكل كامل؛ فالمباراة حفلت بأخطاء تصل لحد وصفها بالمميتة والمفجعة من قبل لاعبي المنتخب السعودي، ولو رجعنا للمباراة وحذفنا الأهداف منها ثم أعدنا المشاهدة لوجدنا أن لاعبينا وقعوا في غمرة حماسهم في أتون التسرع والاندفاع غير المبرر إطلاقاً (انفلات تكتيكي)، فالزوري تحول لمهاجم ثالث بينما فجوة المولد وهوساوي واضحة؛ أما حسن معاذ فكان همه التقدم للأمام من اليمين ولولا حنكة كريري لكان قائد المنتخب التايلندي قد حقق مراده من خلال طلعات الجهة اليسرى التايلندية في أكثر من مناسبة. لاعبونا سجلوا رقماً مخيفاً في كمية التمريرات الخاطئة سواء تلك التي يقتنصها الخصم أو تلك التي تتهادى لخارج الملعب، وكان الفريدي أحد أكثر اللاعبين فقداً للكرة يليه تيسير الجاسم ثم الشلهوب قبل خروجه وتجسد أخطاء التمرير حقيقة خطيرة إذ تكشف أن ثمة عدم انسجام بين اللاعبين وطغيان عامل الفردية على أسلوب بعض اللاعبين أو عدم القدرة على التحرك بدون كرة لآخرين، مما يجعل حامل الكرة في مأزق شديد يفقد معه الكرة.. وقد استحوذ التايلنديون كثيراً على الكرات بهذا الأسلوب، ولولا عدم جرأتهم لكانت مرتداتهم خطيرة، وقد كشف ذلك حالتان كادتا أن تصيبا مرمى وليد عبدالله، لكن الدفاع كان في الموعد مرة والحظ مرة أخرى..!. الدفاع السعودي في العمق كان مميزاً بوجود هوساوي والمولد، وعاب عليهما النظر للكرة دون مراقبة الخصم مما يجعل الخصم يسيطر على الكرة قبلهما، وإن كانت النهاية لهما في الأخير إلا أن ترك الخصم والاتجاه لمراقبة الكرة يفقد خاصية المراقبة الفردية وبالتالي تتنامى خطورة دخول الهدف.. أما ظهيرا الجنب (الزوري ومعاذ) فكانت ليقاتهما عالية جداً ومميزة لكن عيبهما يكمن في ترك منطقتهما واللحاق بالمهاجمين في الثلث الأخير من ملعب الخصم، وقد كاد أن يدفع الأخضر ثمن ذلك كثيراً لولا أن التايلنديين لم يكونوا جاهزين لشن هجمات مرتدة حقيقية كما فعلوا في مباراة الذهاب. أما الدقيقة الأخيرة من المباراة فحكايتها حكاية، إذ ألقت بسطورها لتروي حكاية الانفلات غير المبرر والأحمق من قبل بعض لاعبي الأخضر وبالأخص حسن معاذ والعابد والأخير يبدو أن نجوميته البسيطة بنادي الهلال جعلت من خياله يشطح كثيراً حيث لم يعد يفرق بين ارتداء فانيلة منتخب مدرسي أو فانيلة المملكة العربية السعودية، الأمر الذي جعله يضرب الخصم بقوة في انقضاض خطير غاب معه القانون وغفلة الحكم، ليعيد العابد مشهد الحماقة ضارباً أحد لاعبي تايلند بظهره في محاولة لإعلان التواجد بعد مهزلة الدقيقة الأخيرة، وهو ما يوجب على إدارة الأخضر أخذ موقف حازم ضد اللاعب كي لا يوقع الأخضر في مأزق قادم يطيح بأحلامنا المترهلة حتى الآن..!. في تلك الصورة الضبابية برز القائد محمد نور بعقلية اللاعب المحترف الذي لم يستسلم للضرب أو الضغوط وترك للحكم اتخاذ ما يراه مناسباً كاشفاً لزملائه قليلي الخبرة أن اللاعب يجب أن يرفع شعار وطنه أولاً وقبل كل عواطفه أو انفعالاته. أخيراً مستوى الأخضر قياساً بكل ما مضى هو إيجابي لكنه غير مطمئن فنيّاً ولن يخدعنا التايلنديون حتى وإن هزمناهم بالثلاثة، فالكرة لا تعرف سوى من يقاوم حتى النهاية والمنتخب العماني قهر أستراليا في مفاجأة لكل مشجعي القارة الآسيوية وعزز آماله في التأهل؛ ولهذا يجب طي صفحة الفوز إلى الأبد والتفكير بعمان، لكن الحذر كل الحذر.. فعمان ليس لديها فيضانات..!!.