أولاً أقول: كل عام والجميع بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وثانياً أقول: إن من أجمل ما قرأت من عبارات المسلمين المتشوّقين إلى الحج عبارة قالها أديب هندي مسلم معبراً عن مشاعره نحو الحج، وتحرقه شوقاً إليه «الحج معاهدة كبرى، سطّرها إبراهيم بقلم من نور» ويا لها من معاهدة عظيمة ظلّت وستظل تحظى بعناية كل مسلم يعلم أن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام. {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. آية قرآنية أثبتت أن إبراهيم عليه السلام قد أذّن بالحج، وهذا هو المهم في هذا المقام، ويظل اختلاف الروايات التاريخية في كيفية ذلك الأذان المبارك وطريقته، وموقعه، اختلافاً متاحاً مقبولاً. أشارت معظم الروايات إلى أن إبراهيم عليه السلام لما أمره الله بأن يؤذن للحج، تساءل قائلاً «يا رب ما يبلغ صوتي؟» فأوحى إليه ربنا سبحانه وتعالى «أذّن وعليّ البلاغ» فأذّن وبلغ صوته المبارك سمع كل مخلوقٍ على وجه الأرض، ولهذا كان المستجيبون للنداء الإبراهيمي للحج ما زالوا يأتون إلى بيت الله الحرام كل عام من {مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ويا لها من جملة جامعة مانعة. هنا أصبح الحج معاهدة كبرى، تتميز عن غيرها من المعاهدات أن طاولة الاجتماع فيها كانت هي «الأرض كلها» بجهاتها الأربع، وأن منصة إبراهيم عليه السلام فيها هي «جبل أبي قبيس في مكة» وهي منصة متميزة مؤهلة لهذه المعاهدة الكبرى، لأن مكة هي مركز اليابسة في الكرة الأرضية، فكان مناسباً أن يكون مَنْ نادى إلى الحج بإذن ربه موجوداً في ذلك المكان، واقفاً على تلك المنصة. وهي معاهدة متميزة لأن كل مَنْ سمعوا بالنداء إليها، استجابوا لها، ووافقوا على شروطها وبنودها كلها بالإجماع، وتوافدوا إلى البيت الحرام والمشاعر المقدسة دون تردد -من استطاع منهم إلى ذلك سبيلاً-. لقد كان ذلك الأديب الهندي المسلم موفقاً في هذه الجملة التي صوّر بها معنى الحج في فهمه ومعرفته، وهو معنى ينسجم مع انعقاد هذا الموسم العظيم كل عام هذه الملايين التي تتزامن في ساحات البيت الحرام والمشاعر الطاهرة تواصل تنفيذ بنود تلك المعاهدة الكبرى تنفيذاً دقيقاً لا تكلف فيه. وما أجمل قول أديبٍ آخر من شيراز «مكةالمكرمة» هما قُرص الشمس منها تنطلق الأشعة إلى كل مكان لتضيء دروب القادمين إليها من كل فج عميق. هكذا يتم هذا اللقاء الكبير في هذه المشاعر المقدسة استجابة لنداء إبراهيم عليه السلام، واقتداء بمن حجّ من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، واتباعاً لخطوات خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الذي حجّ البيت الحرام، وعلَّم أمته كيف يكون الحجّ أداء متكاملاً وفق ما شرع الله. أما هذا الجهد العظيم الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وتيسير أداء الحجاج لحجهم، فما عاد للقلم مجال في تصويره بعد أن أصبحت الصورة الفعلية المباشرة تنقل كل دقيقة عبر شاشات عشرات الفضائيات، نقلاً يوضح زوايا الصورة كاملة حتى يراها المشاهد رأي العين. يظل للقلم أن يسطّر معالم الإعجاب بهذا الجهد العظيم، ويرفع أكفّ الحروف والكلمات بالدعاء الصادق لهذه البلاد حكومة وشعباً فيما تقدمه من خدمات مميزة في هذا الموسم العظيم. أما وزارة الشؤون الإسلامية فتشكر شكراً خاصاً على برامجها الفضائية الدعوية الإرشادية التي تعلم الحجاج، وتجيب عن أسئلتهم، وترشدهم إلى الأسلوب الشرعي الصحيح لأداء فريضة الحج. أقول: تقبل الله من الجميع أعمالهم الصالحة. وكل عام وأنتم بخير.