لا يكاد يمر عام إلا وتهفو قلوب المسلمين قاطبة إلى الأراضي المقدسة حيث نشد الرحال، ويفد إليها من كل حدب وصوب ليؤدوا مناسك الحج امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (27) سورة الحج، وقال تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97) سورة آل عمران، وكما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت) رواه البخاري ومسلم. وقال الشاعر الحكيم: لله در ركائب سارت بهم تطوي القفار الشاسعات على الدجا رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا قلب المتيم منهم ما قد شجا نزلوا بباب لا يخيب نزيله وقلوبهم بين المخافة والرجا حيث تتجمع الحشود المؤمنة في زمان واحد ولباس واحد وتحت راية لا إله إلا الله ليكونوا أعضاء في ذلك المؤتمر الإسلامي العالمي الذي يشهده المسلمون كل عام تحت راية الإسلام الخالدة كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات. فيشعر المسلمون في هذا الجمع الكريم بالقوة والعزة والوحدة ويعتبر هذا المؤتمر فريداً من نوعه يعبر عن هذه الحشود الغفيرة هدفهم واحد ونداؤهم واحد ولباسهم واحد ودعاؤهم واحد ويجتمعون في مكان واحد وهم في تلك الحالة يمثلون أروع مظاهر الوحدة الإسلامية في تلك البقاع الطاهرة فتمتلأ النفوس إيماناً وتتخلص النفوس من التوتر والقلق وتهدأ النفوس وتطمئن القلوب كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان الله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور) الحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري ومسلم. فقد أجمع العلماء أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة إلا أن ينذره فيجب الوفاء بالنذر وما زاد فهو تطوع. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل. أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً ثم قال صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) رواه البخاري ومسلم. وفي الختام أدعو الله تعالى لحجاج بيته حجاً مبروراً وعوداً محموداً، وصلى الله تعالى على محمد النبي الأمي وسلم تسليما كثيراً. والله الموفق والمعين.