لم يكن صباح السبت 24 ذو القعدة 1432ه (22 أكتوبر 2011م) حدثاً مختلفاً لدى السعوديين لأن الفاجعة برحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله قد حلت بكل الوطن (يرحمه الله رحمة واسعة)، كون السعوديون ومن ورائهم كل المسلمين يؤمنون أن الموت حق على كل إنسان، ف(لكل أجل كتاب)، إنما لأن الاختلاف جاء في طبيعة الفاجعة وتداعياتها على كل مستوى في المشهد السعودي، وذلك بتنوع الأحزان المتعددة على امتداد الوطن، كما كان سلطان رجل دولة بحجم هذا الوطن الذي يماثل القارة. تلك الأحزان لم تقف عند أهله وأبنائه ومحبيه والعاملين تحت قيادته، إنما غطت بسوادها فئات مختلفة من المجتمع السعودي والمحيط العربي والعالم الإسلامي، سواءً لمعرفتها بالراحل يرحمه الله أو بتعاملها معه، أو بحكم قربها منه، أو بعدها عنه خلال حياته الزاخرة بالأعمال الإنسانية، ومسيرته الوطنية العامرة بالمواقف العظيمة، والمشرقة والإنجازات المميزة. فهناك من حزن لفقد ابتسامته التي يراه بلسماً لجراحات وآلام محبيه، وهي الابتسامة التي عرفت في محياه منذ ولادته عام 1346ه (1928م)، وهناك من حزن على فقد روعة العمل تحت إدارته على امتداد مسيرته العملية منذ توليه الحرس الملكي في عهد والده المؤسس الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه) عام 1362ه (1943م)، ثم إمارة الرياض عام 1366ه (1947م)، ثم وزارة الزراعة عام 1373ه (1953م)، ثم وزارة النقل عام 1375ه (1955م)، حتى قيادته العسكرية لجميع مواقع الجيش الذي ارتبط تاريخه بتاريخ سلطان منذ تعيينه وزيراً للدفاع والطيران عام 1382ه (1962م)، فضلاً عن تعيينه نائباً ثانياً لمجلس الوزراء 1402ه (1982م)، وولايته للعهد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (حفظه الله) التي ارتبطت به عام 1426ه (2005م). غير أن أكثر الناس حزناً على فقد الأمير سلطان بن عبد العزيز هم من فقدوا يده السخية، التي طالما بذلت في وجوه الخير حتى طبعه واقعاً حقيقاً على خريطة الوطن بأفعاله الخيرية وعطاءاته الإنسانية، التي شملت الفقير والمسكين والمريض والمرأة المحتاجة والطفل المعوق من خلال أعمال وبرامج مؤسساته الإنسانية التي تعتبر من أبرز الجهات الوطنية التي قامت على فكر مؤسسي أبرزها: مؤسسة سلطان الخيرية، ومدينة سلطان الإنسانية، ومشاريع سلطان السكنية، فتجاوز ذكر الأمير سلطان الخيري حدود الوطن، فكان رجل الإنسانية عام 2005م على مستوى العالم. أضف إلى ذلك دعمه الكبير لكل المشاريع والبرامج والأنشطة الدينية كجوائزه لحفظ القرآن الكريم، والمشروعات البحثية والعلمية والتقنية كجامعة الأمير سلطان والكراسي البحثية في الجامعات السعودية ومركز سلطان التقني (سايتك). كما أن هناك من حزن لفقد علاقته بالإعلام، التي تميزت بالحوار الجاد والتجاوب الهادف والثقة المتبادلة بدلالة لقاءاته التلفزيونية وحواراته الصحافية، التي لم تهمش أصغر صحافي يرغب في التواصل مع الأمير سلطان، مثلما حزن عليه أهل الأدب والثقافة لأنهم فقدوا داعماً حقيقياً للأعمال الثقافية المتنوعة بدلالة الموسوعة المعرفية (الموسوعة العربية العالمية)، التي تعُبر عن الوجه المشرق للحضارة السعودية وصندوق الحياة الفطرية ومركز أطلس للصور الفضائية، كل ذلك وغيره كثير في سجل سيرته الطويلة مدعاة للحزن الكبير على هذا الأمير الكبير يرحمه الله.