فُجِع وطنُنا الغالي صباح يوم السبت قبل الماضي بالخَطْب العظيم، حين حمل إليه الأثيرُ نبأَ وفاة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام طيّب الله ثراه، وليسَ للمرءِ المؤمن داخل هذه البلاد الطاهرة وخارجها سوى التسليم بقضاء الله، والإيمان بقدره، والخضوع لإرادته. *** لقد كان الخَطبُ جللاً، والفُقدُ أليماً برحيل سلطان الإنسانية، وليسَ لنا قبل تلك الفاجعة وبعدها سوى أن نتَوجّه إلى فاطر السموات والأرض رب العرش العظيم أن يتغمد الفقيد الجليل برحمته ورضوانه، وينزله فسيح جناته، وأن يلهم جميع آله ومحبيه في كل مكان الصبر والسلوان! *** وكان مساء الاثنين الماضي مشهوداً بكل المقاييس، حين شخصت الأبصارُ وعانقت المشاعرُ الحناجرَ لحظة وصول الطائرة الملكية المقلة لجثمان الفقيد الغالي إلى مطار القاعدة الجوية بالرياض وقد تابعت بألم بالغ الحدَثَ الكبيرَ عبر شاشات التلفاز، وكان من أبرز المشاهد وأبلغها تعبيراً أن يكونَ سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله في مقدمة قَوافلِ الحزْن المهيبِ جاءتْ من كل فج إلى المطار لاستقبال جثمان فقيد الوطن والإنسانية، أنزله الله فسيح جناته. وكان وجود الملك المفدى متقدِّماً تلك الحشود الكبيرة، وقد بدا متحَاملاً على حُزنه العميق، وجُرحه الذي لم يَبْرأْ بعد إثر العملية الجراحية التي خضع لها قبل أيام من حلول الفاجعة، كان ذلك المشهدُ وحدُه رائعاً ومثيراً وبليغَ التعبير يعجز البيان عن وصفه! ومشهدٌ آخر كان أشد عمقاً وأبلغ تعبيراً عن الحزن حين اخترق سيدي الملك المفدى جموع المستقبلين للجثمان الطاهر، متكئاً على عكاز معدني، متحدياً بذلك حزنه وآلامه، وقد كست وجهه الأبوي الحنون سحابة كثيفة من الأسى العميق استمطرت مآقي كثيرين، سواء ممن حضروا إلى المطار أو شاهدوا وقائع الاستقبال المثير عبر الشاشات، معبراً بذلك عن معاناة الحزن في وجدانه السامي لرحيل أخيه ورفيق دربه وعضده الأيمن سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه! باختصار، كان المشهد برمته (بانورما) إنسانية رائعة تتحدى حروف البيان وصفاً. *** لقد غشت نفسي في تلك اللحظات الحرجة سحابة كثيفة من الألم للخطب العظيم الذي حل ببلادنا لم أجد له عزاءً بعد الله سوى التسليم بما قضاه وقدره، ثم شعور الفخر بهذا الوطن الكبير الذي يتفوق بمشاعره على جراح كل محنة، ليبقى بعد ذلك متجلداً مؤمناً بالله متوكلاً عليه، وليستمر بعد ذلك قويَّ اللحمة، متماسكَ الصف، متّحدَ الكلمة، لا تهزُّه أعاصير المحن، ولا يَشلُّ إيمانَه ووحدتَه وإرادتَه.. نزيفُ الجرح العميق في وجدانه! *** وبعد، فكثيرون داخل هذا الوطن وخارجه اخترق حب سلطان الخير مسام قلوبهم، فلن يبرحها أبداً، دخلها.. عبر أفعاله ومواقفه وأقواله، حباً لهذا الوطن ووفاءً له، وأريحيات البر التي بات اسمه صنواً لها، نَعُمَ بها المريض والأرمل والمدين والمعاق والعاجز عن كسب قوته وابن السبيل، في أكثر من زمان ومكان! والحمد لله رب العالمين من قبل ومن بعد!