قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي . إن وريد قلمي يقف عبثاً ونزيف الكلمات يتدفق عفواً أمام تلك العاصفة التي اقتلعت قلبي بل هو إعصار الحزن والأسى ورياح الموت التي تهب علينا لتلهب قلوبنا على أحبتنا وتقتلع منا من هم أفئدة الحياة ومصابيح الدنيا... لم أستطع الكتابة من هول الفجيعة فسمحت لقلبي وأطلقت العنان له ليكتب عما اجتاحه من أحزان وأبت عيناي إلا وتشارك قلبي حزنه فذرفت الدموع وذلك تعبيراً لرحيله لقد فجعت كما فجع غيري برحيل من عرف عنه بطيبة القلب ودماثة الخلق صاحب الابتسامة والإنسانية والد اليتامى والأرامل والمحتاجين. بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره انتقل إلى جوار ربه المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام فجر يوم السبت الموافق الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة لعام ألفٍ وأربعمائة واثنين وثلاثين من الهجرة بمستشفى نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية إثر مرض عانى منه طويلاً. لقد تأثرت كثيراً فور نبأ إعلان الديوان الملكي صباح يوم السبت خبر وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله فلم أتمالك نفسي فذرفت الدموع وانسكبت العبارات وحزنت حزناً شديداًًًً على رحيل أمير الإنسانية والخير والرحمة والطيبة والابتسامة سلطان الكرم والجود وصاحب الأيادي البيضاء، ففي هذا اليوم انطفأت الابتسامة برحيل صانعها وراسمها على محيا وجوه الملايين. فعندما أتكلم عن سلطان بن عبدالعزيز فإنني أتكلم عن رجل المواقف الصعبة رجل ملأ الله قلبه بحب الخير والسعي في قضاء حوائج الناس لقد وضع سموه طيلة حياته في تلمسه لاحتياجات الضعفاء والمساكين الذي لم يقتصر فعله على هذا البلد فقط بل شمل كرمه وعطفه بقاع الأرض. وما أن يحل ببلد إلا وتجد مجلسه مزدحماً بالمواطنين للتشرف على سلامه وكل يسأل عن حاجته فيحقق مبتغاهم ويتابع ذلك بنفسه بل إنه يسأل عن أحوال الناس وما إن يجد أسرة ضعيفة إلا ويساعدهم، ومن مواقف سموه أنه شاهد على التلفاز عائلة تتابع النمل وهي تذهب إلى جحورها فيقومون بحفر الجحر واستخراج ما به من أكل ليسد جوعهم فضاق صدره من ذلك فأمر بمن حوله بالاتصال على البرنامج والسؤال عن هذه العائلة وعن مسكنهم فعندما علم أنهم يسكنون في أدغال أفريقيا فأمر بمساعدتهم والحمد لله تغيرت حالتهم من بعد ذلك فأصبحوا يأكلون ويطعمون من حولهم من هذا الخير، فإسهاماته وأفعاله رحمه الله لا تعد ولا تحصى فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء. لقد كان الأمير سلطان وعلى مدى عقود على علاقة متميزة بأخيه الملك عبدالله تجتمع بها كل لغات النبل والإنسانية والعطف الذي انساب في مواقف كثيرة جمعتهما في الفرح وفي المرض بل في كل شئون الحياة كيف لا وهما انبثقا للحياة القيادية من مدرسة جلالة المؤسس الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه. بل لم تمنع الحياة السياسية بكل همومها وتداعياتها الأخوين من اللقاء الأسري الحميم الذي يمثل مكنون القيادة واهتمامه بالشعب بما يمليه عليه ديننا الحنيف من التراحم والتآلف والمودة في الرخاء والشدة ويتجسد الموقف الإنساني الكبير عندما أصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله على تقديم العلاج لأخيه الأمير سلطان بنفسه في المستشفى في أروع أمثلة التواصل والرحمة التي هي بمثابة رسالة معبرة للشعوب في التآلف والتواضع فيما بينهم وقد ذكر سموه رحمه الله ذلك بالكلمة الارتجالية التي ألقاها في قصره بالخالدية بجدة فقال: [... أما سيدي وأخي الملك عبدالله بن عبدالعزيز فقد غمرني بفيض مشاعره ونبل مسلكه وطيب معشره بعدة زيارات يومية منتظمة وغير منتظمة آنستني مرضي وأشغلتني عن همومي وكان أرقاها وأجملها وقعاً إلى نفسي تلك الزيارة التي قدم لي فيها العلاج بيده الكريمة.. لقد ترجمت تلك الزيارات معنى الأخوة الحقة وأكدت عمق الترابط الصادق الحميم رغم مشاغله، كنت سأكتفي بزيارة أو اثنتين ولكن كان إصراره على المتابعة والزيارة يومياً يؤكد لي أن هذا ديدنه مع كل مواطن ومسئول على حد سواء أسأل الله جلت قدرته أن يجزيه عني خير الجزاء...]. فبرحيله رحمه الله توحدت كلمات الزعماء والقادة والوزراء والسياسيين والشعب في مختلف دول العالم في التعبير عن فقده بعد معاناته من المرض الذي عانى منه طويلاً أسأل الله أن يجعل ما أصابه تكفيراً. وقد تدفقت ردود الفعل تجاهه من جميع أقطار العالم وقد حظي رحمه الله بثلة كبيرة من الأصدقاء ووفاة الفقيد مصاب جلل وخطب جسم وفاجع أليم وبغيابه خسرت المملكة العربية السعودية ركناً من أركانها وسنداً لأخيه الملك عبدالله كما خسر الشعب السعودي راعياً من رعاته المخلصين فقد كانت عطاءاته سحائب خير عمت أرجاء بقاع الأرض والأمة العربية كما فقدت قائداً فذاً محنكاً حظي رحمه الله بالحب الكبير في الداخل والخارج فكان يسمى بسلطان الخير وسلطان الابتسامة وسلطان الحب والعز والكرم أب اليتامى والمساكين والمحتاجين ونصير المظلومين فهذه الألقاب وغيرها يطلقها كل مواطن ومقيم عندما تشتد عليه الأزمات فيلجؤون إليه ليغدق عليهم بكرمه وعطفه، فقد كان الأمير الراحل نموذجاً فريداً في القيادة الواعية المخلصة وكان يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، إن من يعرف الأمير سلطان بن عبدالعزيز يقف عند كل الخصال المميزة التي يتمتع بها رحمه الله والتي تجمع بين سلطان الإنساني وسلطان القيادي الفذ لبعد نظرته وحنكته وحكمته فهو لم يتأخر يوماً واحداً عن أي دعم أو مساندة لنشر الخير والسلام والمحبة وروح التسامح للعالم ولم يتأخر عن أعمال البر وكل ما يخدم المجالات الإنسانية والأعمال التي تعود على شعبه وأمته بالخير والمنفعة، وتمثل شخصيته رحمه الله سمات القيادة الناجحة من خلال ربطه بين أصالة الماضي والحاضر وتطور المستقبل المشرق لهذا البلد الطاهر، فرحم الله سموه رحمة الأبرار وأسكنه فسيح جناته. - الرس