في صبيحة يوم السبت 24-11-1432ه، وعندما غدا أبناء الوطن الحبيب إلى أعمالهم، والطلاب إلى مدارسهم، إذا هم يفجعون بنبأ أعلنه الديوان الملكي، نبأ يحمل آلاف الكلمات، وملايين الآهات الحرى، نبأ قصير في كلماته ولكنه يحمل معه أطناناً من المشاعر الحزينة، نبأ حمله الأثير إلى قلب كل سعودي عاش وترعرع على ثرى هذه الأرض الطيبة، وعاش في ظل دولة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأبنائه البررة، فترسخت بينهم وبين قيادتهم مشاعر حميمة، يعيشون أحزانهم، وتذرف دموعهم الصادقة عند كل ما يحزن الفؤاد المكلوم!!!. حمل النبأ في صبيحة ذلك اليوم خبر وفاة أمير البر والإحسان، أمير العطاء والكرم، أمير الهبات والعطايا، أمير ملك قلوب أبناء شعبه حباً وعطفاً، فبادلوه حباً بحب، وولاءً بولاء، حمل النبأ في صبيحة ذلك اليوم تعازي الوالد القائد الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأبناء شعبه الوفي بأخيه وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وهنا لا تسأل عن الحزن الكبير الذي ضرب أطنابه على قلب كل مواطن عاش على ثرى أرض الحرمين الشريفين، بل وعلى كل الوافدين إليها من أبناء الأمتين العربية والإسلامية. وتساءل المواطنون بحسرة وحزن شديدين هل فقد الوطن سلطان المجد والسؤدد؟!! قالوا ذلك وقلوبهم الحرى تصطلي بألم الفراق!! هل غادرنا أبو خالد، سلطان الخير، سلطان السؤدد، سلطان النجدة والنخوة، سلطان الأبوة الصادقة، سلطان الأخوة الحانية، سلطان الابتسامة المشرقة، سلطان الكرم الحاتمي، سلطان اليتامى والأرامل والثكالى. سلطانُ يا أيها الرمزُ الذي شمختْ به الخليقةُ في الآداب والمثل نعم: سلطان رمز من رموز هذا الوطن الشامخ بقيادته الكرام، وبشعبه الوطن، فقد ترعرع -رحمه الله- في كنف والده المغفور له الملك عبدالعزيز، فتربى في تلك المدرسة وتخرج منها عارفًًَا حقوق الوطن والمواطن، يوقر كبيرهم، ويحنو على صغيرهم، وما أجمل وأنقى تلطفك مع أبناء شعبك خصوصاً أطفالهم الصغار!!!، بتواضع منقطع النظير، وبحب لا مثيل له، وبعطف لا مزيد عليه!!. ومن تلك المدرسة انطلق مع إخوانه الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله يأتمر بأوامرهم خدمة للوطن الغالي، والمواطن الوفي، في كل المواقع العملية التي كلف بها، فضرب أروع المثل في البذل والعطاء، ونكران الذات هدفه بعد رضا ربه عز وجل أن يعيش المواطن سعيداً على ثرى هذا الوطن الغالي. لا يستطيع المعدد مهما أوتي من مقدرة على العد والحصر أن يحصي ما لفقيدنا الغالي من مآثر كبيرة، وأعطيات جزلة، ومناقب كثيرة، فما أن يسمع -رحمه الله- عن إنسان معدم أو فقير أو ذي حاجة إلا ويهب لنجدته داخل الوطن وخارجه، بل ويجزل له العطية، ومن مثل سلطان عطاءً وفضلاً وكرماً!! رحمه الله رحمة واسعة. أيها الوطن الغالي: تودع ويودع الشعب معك أميراً ملك أبناء شعبه بحبه لهم، وعطفه عليهم، بابتسامة لا تفارق محياه، بل إن هذه الابتسامة الغراء لا تفارقه وهو يعاني ألم المرض، وشدة الحزن!! هكذا جبل سيدي سلطان -رحمه الله، ازدان بالأخلاق الكريمة، وتجمل بالفضائل التي لا تحصى، وتحلى بأروع وأنبل القيم، واكتسى بأثواب الطهارة والنقاء والكمال!! الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- عمل بإخلاص وتفان في خدمة الوطن بقيادة خادم الحرمين الشريفين، فكان نعم العون له بعد الله تعالى، فأعمال فقيد الوطن الكبير لا تحصى في الداخل والخارج، فقد كان سبباً في حل الكثير من المشكلات التي قد تعترض سبل التنمية، وما ذاك إلا لكونه قد تكونت لديه خبرة إدارية كبيرة جداً، وإرث تاريخي كبير ورثه عن والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله، وحنكة ودهاء سياسي، وتمرس في القطاعين السياسي والدبلوماسي، فأصبحت القضايا الإدارية والسياسية التي عمل على تنفيذها ونجح في حلها بامتياز أصبحت مثار إعجاب العالم أجمع. أمير القلوب: دموع أبناء الشعب الوفي تسابق نبأ الخبر الحزين، فقد كان يوم السبت الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة من عام 1432ه يوماً ثقيلاً على أبناء وطننا الكبير، يوم أعلن في صبيحته انتقال رجل بروعة وحنكة وصدق ودهاء سلطان بن عبدالعزيز من هذه الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة دار القرار، كان يوماً محملاً بالهموم، مليئاً باسترجاع الذكريات مع الأمير الغالي، في الأصعدة كافة، مترعًا بالصور التي تنقلها وسائل الإعلام المحلية والعالمية للفقيد الغالي فتزيد من حسرة الشعب الحزين، وتقلب صفحات خالدات كان أميرنا الغالي هو بطل المشهد وسيده، وراعي الموقف ومسددة. أمير القلوب: لئن قدر مولاك أن تغيب عن أبناء شعبك الوفي في وقت الوطن الغالي، بل العالم أجمع في أمس الحاجة إلى طلتك البهية، وخبرتك الإدارية، وصدق تعاملك، وروعة أهدافك، وسرعة إنجازك، ودهاء تعاملك، ورقة قلبك، فإن ذكراك العطرة سيمكث شذاها على أرضنا الوفية طوال الدهر، وستكون سيرتك المباركة منارة إشعاع للأجيال اللاحقة، وستكون مواقفك الإنسانية، وأعمالك الإدارية، ومشاريعك الخيرة مناهج تدرس لكل الراغبين في الخير والبر والإحسان. وما أروع الشاعر حينما صاح بأعلى صوته متغنياً بمآثر الفقيد الغالي قائلاً: سلطانُ.. يا بسمةَ الأيام. لا نُظمتْ روائعُ لن تكن فيهن كالمثل هل السماحة إلا فيك شاحبةُ والجودُ إلا على كفيك في عطل!!؟ من للأرامل في الدنيا.. أكان لها سواك في غمرة الآلام من بدل!!؟ مَنْ لليتامى.. أفي عينيك مملكةٌ كانت لهم منزلا من أفخر النزل!!؟ من للفقير... إذا ما الدهرُ زجَّ به خلفَ الصفوفِ وأعياه عن العمل!!؟ والحق أيها الشاعر الكبير ليس الأرامل واليتامى والفقراء فحسب من فقد (سلطان القلوب) بل والله الوطن كله فقد طلة الأمير الملهم، رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، كلهم جعل يده على قلبه خوفاً من النبأ الحزين، حتى جاءهم الخبر اليقين، فعزى بعضهم بعضاً في ذلك المصاب الجلل، وكلهم مؤمنون ولا يقولون إلا ما يرضي ربهم عز وجل، فرددوا وقلوبهم يعصرها الحزن والألم: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، و(إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراق أميرنا لمحزونون). إن كانت الدول والأمم تفاخر بقادتها، ورجال الدولة فيها، وصناع القرار في شؤونها، فإننا نفاخر باعتزاز وثقة بسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- أميراً حكيماً فكثيراً ما أوجد حلولاً للمشكلات العالقة بين بعض الدول الشقيقة والصديقة، وقائداً عسكرياً لكونه كان وزيراً للدفاع والطيران سنوات طوالاً وأصبحت قواتنا -ولله الحمد- مهابة الجانب درعاً لأشقائنا، وحمى لمحبينا، ونفاخر به أباً رحيماً يلاطف الجميع بابتسامة سلطان!!!! وكفى بتلك الابتسامة الصافية الصادقة بلسماً لكل أدواء القلوب، وكفى بها علاجاً لكل أدران النفوس، وكفى بها طباً لا مثيل له لمن حمل هموم الدنيا وأحزانها. وداعا أمير البر والإحسان !! وداعا أمير الكرم والعطاء !! وداعا أمير البذل والنوال!! وداعا أمير الإنسانية!! وداعا درع الوطن وحاميه!! وداعا أمير المثل والقيم!! وداعا حبيب الشعب ومحبوبهم!! سلطان لا تحصى سجاياك مهما عددها المعددون، التعازي الصادقة لمقام الوالد الباني، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -وفقه الله- وسمو النائب الثاني، وسمو أمير الوفاء الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولأبناء الفقيد الغالي وبناته، ولكل أبناء الوطن الكريم والمقيمين في رحابه، وللأمتين العربية والإسلامية. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وكيل كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض