نشر الأحكام القضائية يُعد في كثير من الدول «سوابق قضائية» خاصة تلك الصادرة من محكمة أعلى درجة كمحكمة التمييز أو المحكمة العليا باعتبارها مبادئ أقرها القضاء تحكم على كل ما سيلحقها من منازعات. عدد من البلدان لا يُوجد فيها قانون مكتوب يحكم ما يصدره القضاة من أحكام، وتعتبر هذه السوابق القضائية من قِبل القضاة هي القانون الذي يبنون عليه أحكامهم في القضايا المعروضة أمامهم. أحكام السوابق القضائية تفصح عمّا استقر عليه القضاء من مبادئ وما عدل عنه منها، وهي بمثابة القبس الذي ينير فكر القاضي ليتمكن من الاستنباط والقياس والملاءمة والمواءمة، ويبصِّر المحامي بما ستؤول إليه مرافعته ادعاءً أو دفاعاً إذا ما اتبع أو حاد عن ذلك المبدأ القضائي المستقر. عندما صدر نظام القضاء بالمرسوم الملكي رقم م-87 بتاريخ 19-9-1428ه ونقل عدداً من اختصاصات وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، كلّف وزارة العدل باختصاص جديد نصّت عليه المادة الحادية والسبعون الفقرة الثالثة، يلزم وزارة العدل بإنشاء مركز للبحوث يُؤلَّف من عدد كافٍ من الأعضاء المختصين لا يقل مؤهل أي منهم عن الشهادة الجامعية يتولى نشر الأحكام القضائية المختارة بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء. ومما يحسب لوزارة العدل أنها وفي وقت قياسي وخلال سنة من صدور المرسوم الملكي أنجزت عدداً من مجلدات الأحكام القضائية مما أضاف إلى الساحة العدلية مورداً جديداً بالغ الأهمية، وفَّر على المتقاضين كثيراً من الجهد والوقت والمال، وينقذ إلى حدٍ بعيد الأحكام المستقبلية من التناقض والتضاد، ووفر للقضاة مرجعاً يسترشدون به عند إصدار أحكامهم. الأمل هو ألا تتوقف الوزارة عن نشر المزيد من الأحكام القضائية، وأن يحذو حذوها ديوان المظالم خاصة ما تعلق بالقضاء التجاري. أمر آخر ورد في نظام القضاء يخص وزارة العدل والذي نصّت عليه المادة الرابعة والسبعون الذي أضاف إلى كتابات العدل اختصاص توثيق العقود إلى جانب ضبط الإقرارات، وأجاز لوزارة العدل أن تعهد ببعض اختصاصات كتابة العدل إلى الغير وذلك وفق لائحة تصدر بقرار من وزير العدل بناءً على موافقة المجلس الأعلى للقضاء. حتى يومنا هذا وبعد مرور أربع سنوات على إصدار النظام، لم يرقَ إلى علم ذوي الاختصاص عن قيام كتّاب عدل بتوثيق العقود التي يوقعها الأطراف بإرادتهم المعتبرة شرعاً ونظاماً، ولم تنشر أي لائحة صادرة عن معالي وزير العدل تتعلق بنقل بعض اختصاصات كتابات العدل إلى الغير كتوثيق العقود وضبط الإقرارات. دعوني ألتمس العذر لوزارة العدل فقد تكون غير مستعدة لهذا عند ما صدر النظام، وأن تتمكن قريباً من إصدار اللائحة التي تخوِّل «الغير» ضبط الإقرارات وتوثيق العقود ممَّن تتوسم فيهم وزارة العدل الكفاءة والسمعة الحسنة ومَن يتوفر فيهم شروط اللائحة التي أوكل النظام إصدارها لمعالي وزير العدل، وأن تحدد اللائحة أنواع العقود التي ستأذن ل «الغير» بتوثيقها، والشروط الواجب توافرها في «الغير» وصلاحياتهم، وضوابط تأديبهم إن وثقوا عقوداً لا يجوز توثيقها أو لم يتحققوا من صحة توقيعها من المخوّلين شرعاً ونظاماً بذلك، وأن تضع نماذج للعقود المسماة وغير المسماة مثل عقود التأمين التعاوني التي أصبحت إحدى مستلزمات ضبط العلاقة بين أطراف بوالص التأمين كالتأمين على السيارات والتأمين الصحي الذي أصبح إلزامياً بموجب القانون.