يشدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله- بشكل متواصل على أهمية استقرار الوطن ووحدته التي يرى أنها صمام الأمان -بعد الله- وعدم سماحه -أيده الله- بأي حال من الأحوال لما يشكل تهديدًا للوحدة الوطنية وأمن المجتمع. وجدد الملك المفدى خلال كلمته التي وجّهها لأعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى ثقته بالمواطن ووصفه بأنه رجل الأمن الأول وقال -أيده الله-: «أثبتت التجارب والمواقف أن المواطن هو رجل الأمن الأول، وشريك رئيس في رسم لوحة الإنجاز التي سطرتها الأجهزة الأمنية في دحض الدعاوى الباطلة، والآراء الشاذة، وإحباط المخططات الإرهابية التي وضعتها الفئة الضالة رغبة منها في استهداف أمن البلاد ومقدراته، والتغرير بأبنائه مرتهنة لأسلوب الانتقائية وتوظيف النص والتفسيرات البشرية الخاطئة المتطرفة في كل ما يدعم توجهاتها، وديننا الحنيف براء من كل ذلك، فهو دين رحمة وتسامح وصفح». ونجحت المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله وصوره والعمل على اجتثاث جذوره والتصدي لفلوله ودحر رموزه، ومما سبق أن قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز في حديثه لصحيفة السياسة الكويتية الذي نشرته يوم 30 جمادى الأولى عام 1425ه: إن الأمن في المملكة العربية السعودية بألف خير، فهي صامدة كالصخر تكسرت عليه كل تلك الهجمات». وأضاف: إننا اجتزنا مراحل الإرهاب.. فنحن ذهبنا إلى رؤوس الثعابين مباشرة لنقطعها». وسطرت المملكة نجاحات على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية في مكافحة الإرهاب والتصدي له والقضاء على خلاياه، نالت استحسان المجتمع الدولي من خلال إستراتيجية شاملة تعتمد المواجهة الفكرية والمناصحة بنفس درجة الاهتمام بالتعامل الأمني، والإجراءات القانونية في محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الإرهابية. وتعددت جهود المملكة في محاربة الإرهاب على المستويين الدولي والعربي لتعزيز التعاون بين كل الدول والشعوب وقطع مصادر تمويل ودعم الجماعات الإرهابية وتفعيل الآليات الدولية في هذا الشأن. وعلى المستوى الدولي جاءت اتفاقية تأسيس «مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب» التي وقعها صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ومعالي الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة في مقر منظمة الأممالمتحدة في نيويورك يوم التاسع عشر من شهر سبتمبر 2011م ثمرة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- لتأسيسه أثناء المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض عام 2005م بحضور وفود من أكثر من ستين دولة، وأعلن سموه عن مساهمة المملكة بمبلغ عشرة ملايين دولار لتمويل تأسيس مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب. ومما قاله سمو وزير الخارجية في حفل توقيع الاتفاقية: «إن تدشين مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، يأتي تتويجًا لمقاصد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض خلال شهر فبراير 2005م بحضور ومشاركة ما يقارب من (60) دولة، والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية، وما نجم عنه من توصيات دعت إلى تعزيز الجهود الوطنية والعالمية من أجل التصدي الفعال لمواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها.ومن ذلك تأييد مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأممالمتحدة الذي حظي بتأييد واسع من قبل المنظمات الدولية والإقليمية كحركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والقمة العربية اللاتينية، والحوار الآسيوي الشرق الأوسطي (آميد) وتمت الإشارة إليه في إستراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب». وأضاف: إن من شأن هذا المركز أن يشكل أول مؤسسة أممية متخصصة في مكافحة الإرهاب، بوصفه من أهم التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، والمملكة من جانبها لن تتوانى عن دعم أي جهد دولي لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، انطلاقًا من عقيدتها وثقافتها وتراثها وسياستها المناهضة للإرهاب والرافضة له، بكل أشكاله وصوره وأيًا كانت أهدافه أو جنسيته أو العقيدة التي ينتمي إليها. ونأمل أن يسهم هذا المحفل الذي تمثل فيه جميع دول العالم، في التعريف بظاهرة الإرهاب دون انتقائية أو ازدواجية ومعالجة أسبابه واجتثاث جذوره، ومكافحته بكل حزم لدعم الاستقرار والأمن الدوليين». وأوضح سمو وزير الخارجية أن المملكة العربية السعودية عانت مثلها مثل العديد من دول العالم، من العمليات الإرهابية، وتعاملت معها بكل صرامة وجدية، ساندها في ذلك الشعب السعودي الذي وقف صفًا واحدًا مع قيادته في محاربة هذه الظاهرة الدخيلة على الوطن، والمنافية لمعتقداته وثقافته. ولم تقتصر سياسة المملكة على التعامل أمنيًا مع هذه الظاهرة، بل اتسمت بالشمولية في التعامل مع الفكر الضال المؤدي إليه، وقطع كل سبل التمويل عنه.إن ما حققته المملكة من خطوات في مجال مكافحة الإرهاب، وما تقوم به العديد من دول العالم في هذا الشأن على المستوى الوطني، يظل في حاجة إلى جهود إقليمية ودولية موازية تعمل على تفكيك شبكاته وخلاياه، وذلك عبر تنفيذ أحكام القانون الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة بحظر ارتكاب الأعمال الإرهابية أو تمويلها أو التحريض عليها أو الاشتراك فيها أو حماية مرتكبيها، وتؤكد أهمية اعتماد إجراءات مدروسة بدقة في هذا الإطار. ومن المتطلع أن يسهم المركز في تحقيق هذه الغايات، وتقوية دور الأممالمتحدة في مكافحة الإرهاب، والعمل جنبًا إلى جنب مع لجان الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب وزيادة فعاليتها والتنسيق معها. كما وقعت المملكة العديد من الاتفاقيات الخاصة بمكافحة الإرهاب، والتزمت بتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الشأن، وصادقت على جملة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات العلاقة منها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998م ومعاهدة منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب عام 2000م واتفاقية مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع دول عربية وإسلامية وصديقة بشأن مكافحة الإرهاب. ويبرز المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي دعت المملكة إلى عقده بمدينة الرياض في فبراير 2005م واحدًا من الجهود الكبيرة للمملكة في مكافحة هذه الآفة العالمية في إطار دولي انطلاقًا من قناعة أثبتتها الأحداث، بأن الإرهاب لا يقتصر على أبناء دين بعينه أو بلد دون غيره وأن النجاح في مواجهته يحتم تعاون جميع الدول. وجاء الإعلان الصادر في ختام أعمال المؤتمر الذي عرف بإعلان الرياض ليؤكد أن الإرهاب يمثل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين، ويجدد موقف المملكة الرافض لكل أيديولوجية تدعو للكراهية وتحرض على العنف وتسوغ الجرائم الإرهابية. وشدد إعلان الرياض على أن الأممالمتحدة هي المظلة القانونية لتعزيز التعاون الدولي ضد الإرهاب وأن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة هي الأساس والمرجعية لكل جهود مكافحة الإرهاب.وعلى المستوى المحلي، اعتمدت المملكة إستراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب، وحرصت على أن تشارك جميع مؤسسات المجتمع في تنفيذ هذه الإستراتيجية، كل في مجال اختصاصه، ونجح علماء المملكة في إيضاح منافاة الإرهاب لتعاليم الإسلام، وما تمثله الأعمال الإرهابية من اعتداء محرم على الأنفس المعصومة من المسلمين وغيرهم، وتفنيد مزاعم الفئة الضالة، التي تروجها التنظيمات الإرهابية لتبرير جرائمها أو كسب أي تعاطف معها. وقد حثّ العلماء في المملكة عموم المواطنين والمقيمين على التعاون مع الجهات الأمنية في التصدي للفئة الضالة والإبلاغ عن المتورطين في الأعمال الإرهابية، كما كان للعلماء دورًا كبيرًا في مناصحة بعض المتأثرين بدعاوى الفئة الضالة في الوقت الذي كانت فيه الجهات الأمنية تحقق نجاحات متتالية في ملاحقة أعضاء هذه الفئة المتورطين بارتكاب جرائم إرهابية وتوجيه عدد كبير من العمليات الاستباقية التي حققت نجاحًا كبيرًا في إفشال مخططات إرهابية في عدد من مناطق المملكة. وفي هذا الشأن صدر قرار هيئة كبار العلماء رقم (239) وتاريخ 27-4-1431ه المتضمن تجريم تمويل الإرهاب؛ لما فيه من الإفساد، وزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال، والممتلكات الخاصة والعامة. وحرصت القيادة السعودية في خضم معركتها مع الإرهاب على تكريم الشهداء من رجال الأمن ومواساة ذويهم وعائلاتهم، وتقليدهم أوسمة الشرف وأنواط الكرامة، تعبيرًا عن التقدير الكبير لبطولاتهم وتضحياتهم. ولم يقتصر ذلك على شهداء وأبطال الأجهزة الأمنية فقط، بل حرصت الدولة رعاها الله على مراعاة مشاعر أباء وأمهات المتورطين بارتكاب الأعمال الإرهابية ممن ألقي القبض عليهم، وكان لذلك أكبر الأثر في عودة كثير منهم إلى جادة الصواب، في أعقاب ما أعلنته القيادة الرشيدة من عفو عن التائبين من أعضاء الفئة الضالة الذين يسلمون أنفسهم، وقد حققت هذه السياسة الحكيمة نتائج إيجابية ممتازة، وأعلن بعض أعضاء الفئة الضالة توبتهم وتراجعهم عن الأفكار المنحرفة التي كانوا يعتنقونها. وتصدت المملكة للإرهاب بكل قوة عن طريق تعزيز وتطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإرهابية وتحديث وتطوير أجهزة الأمن وجميع الأجهزة الأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب وتكثيف برامج التأهيل والتدريب لرجال الأمن والشرطة وإنشاء قناة اتصال مفتوحة بين وزارة الداخلية ومؤسسة النقد العربي السعودي لتسهيل سبل التعاون والاتصال لأغراض مكافحة عمليات تمويل الإرهاب. وأعلنت استعدادها التام لدعم الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الإرهاب والإسهام بفعالية في إطار جهد دولي جماعي تحت مظلة الأممالمتحدة. وبناءً على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- لإنشاء مركز دولي لتبادل المعلومات والخبرات بين الدول وإيجاد قاعدة بيانات ومعلومات أمنية واستخباراتية تستفيد منها الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب، تقدمت المملكة بمشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو لتشكيل فريق عمل لدراسة توصيات المؤتمر وما تضمنه «إعلان الرياض» بما في ذلك إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وفق ما أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 سبتمبر 2005م. وعلى مستوى التشريع والقضاء، تم إنشاء محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب تحت مسمى المحكمة الجزائية المتخصصة، كذلك استحداث دائرة مختصة بهيئة التحقيق والادعاء العام تحت مسمى»دائرة قضايا أمن الدولة» لتتولى التعامل مع مثل هذه القضايا وتوفير جميع الضمانات التي تهيئ للمتهمين في قضايا الإرهاب وتمويله محاكمة عادلة بما في ذلك حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتعويض من تثبت براءته منهم مع البدء في دراسة إصدار نظام لمكافحة الإرهاب وذلك في إطار تطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالجرائم الإرهابية وتكثيف برامج التأهيل والتدريب للجهات الأمنية المعنية بالمواجهة الميدانية المباشرة واعتماد عدد من الآليات لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب. وقد كان لهذه انعكاسات إيجابية على أرض الواقع بتحقيق رجال الأمن نجاحات كبيرة ضد هذه الفئة الضالة وإفشال أكثر من 95% من المخططات الإرهابية قبل تنفيذها، والوصول إلى عدد من الخلايا النائمة وتلك التي توارت تحت ضربات رجال الأمن للفئة الضالة.ومن أقوال الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- فيما جاء بالقضاء على الإرهاب: ما أجاب المذيعة باربرا وولترز عند سؤالها: هل قضت المملكة على الإرهاب وهل ما زلتم قلقين منه؟ قائلاً: «لقد أوضحت عقب أول عملية إرهابية بأننا سوف نحارب الإرهاب ومن يدعمون الإرهابيين أو يوافقون على أفعالهم حتى لو اقتضى الأمر منا الحرب لعشرة أو عشرين أو ثلاثين عامًا حتى نقضى على هذا البلاء. واعتقد أنه يجب على العالم أن يعمل يدًا بيد إذا أردنا القضاء على الإرهاب». وقوله: «إن ما تقوم به بعض الفئات الضالة المنسوبة إلى الإسلام من أعمال إرهابية ليس لها صلة بالإسلام أبدا». كما قال خلال استقبالات له لوفود أهالي عدد من شهداء الواجب خلال التصدي للأعمال الإرهابية «أعداؤكم مدحورون بإرادة الله ثم بوقفة الشعب السعودي وقفة رجل واحد. والإرهاب يأسف الواحد إذا سمع أنهم منا ويؤلمه ذلك لكن غلب عليهم الشيطان وهو الذي دفعهم لذلك وهذا أمر يغث الإنسان عندما يعرف أن هذا ابن عائلة أو أنه من السعودية وجاء وارتكب هذا العمل الإجرامي. ولكن الله كريم اندحروا بمشيئة الله «. وفي كلمة للملك المفدى قال فيها: «لقد ظهرت بيننا قلة قليلة ممن أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلمًا ممن تنكروا لدينهم وخانوا أوطانهم ونسوا إنسانيتهم واتخذوا الإرهاب والاستئصال فكرًا ومنهجًا والله نسأل لهم الهداية والتوبة وأن يزيل الغشاوة من أعينهم وقلوبهم ونفوسهم وأن يدركوا أن هذه الدولة تحكم بشرع الله وتقيم حدوده وترعى مقاصده وأن يتداركوا أنفسهم قبل أن ينتهوا ضالينمضلين خاسرين لدينهم ودنياهم». وأجاب الملك المفدى على سؤال من صحيفة السياسة الكويتية عن الإرهاب قائلاً: «لقد انحسرت عمليات الإرهاب، ورجال الأمن عندنا نجحوا في استباق العمليات الإرهابية قبل أن تقع بفضل تجاوب المواطن مع الأجهزة، ومساعدته لسلطات الأمن وتبليغه هذه السلطات بأي شيء غير طبيعي يراه أمامه. التستر على الإرهابيين لم يُعدُّ موجودًا بعد أن اقتنع مواطنونا بأن الدعوة لدين الله لا تتم بهذه الطريقة. الإرهاب ليس دعوة لدين محمد صلى الله عليه وسلم وينافي ما أنزل إليه من آيات. ويجب أن نعرف أن الإرهاب ليس دعوة للإصلاح بل هو دعوة للخراب والإفساد». وفي الاتجاه الوقائي تعددت جهود المملكة في مكافحة الإرهاب، بدءًا من برامج توعية طلاب المدارس والجامعات بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها في الإسلام والآثام التي تقع على مرتكبيها وحثّت المعلمين والمعلمات على توعية الطلاب والطالبات بذلك وتوجيههم إلى الطريق الصحيح وغرس حب الوطن وطاعة أولياء الأمور في نفوسهم، كما ركزت على تعزيز الأمن الفكري وخصصت يومًا دراسيًا كاملاً خلال العام الدراسي لإقامة معرض في كل مدرسة للبنين والبنات عن الإرهاب والأعمال الإجرامية التي ارتكبها أرباب الفكر التكفيري وما نتج عنها من قتل للأبرياء وتدمير للممتلكات ومقدرات الوطن، نظرًا لأن ظاهرة الإرهاب جاءت نتيجة لأفكار منحرفة اعتمدت المملكة في جهودها لمكافحة هذه الظاهرة مبدأ مواجهة تلك الأفكار بضدها من خلال الحوار والمناقشة فكان إنشاء (مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية) بهدف كشف الشبهات وتوضيح المنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف الذي يقود إلى الإرهاب من أجل إعادة الموقوفين إلى رشدهم وتصحيح مفاهيمهم من خلال الاستعانة بعلماء الشريعة والمختصين في العلوم الاجتماعية والنفسية والمثقفين ورجال الأعمال وإتاحة الفرصة لهم لمقابلة هذه الفئة ومناقشتهم بكل حرية والرد على شبهاتهم وانتهاج أسلوب الحوار والإقناع مع بعض أتباع هذا الفكر، وتغيير الكثير من القناعات السابقة لديهم وعرض هذه التراجعات عبر وسائل الإعلام. بالإضافة إلى إنشاء الكراسي العلمية التي تعنى بالأبحاث المتعلقة بالإرهاب في عدد من الجامعات السعودية وفي مقدمتها كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري وتشجيع الجهات المختصة على طباعة الكتب والنشرات وإصدار الأشرطة التي تدحض الأفكار المنحرفة وتكثيف أنشطة رعاية الشباب والاهتمام بهم وتحصينهم من الاختراقات الفكرية ونوازع الغلو. وأصدرت المملكة في هذا الصدد جملة من الأنظمة والتعليمات واللوائح لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها بهدف مواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية دورات تدريبية عديدة عن موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي لتنمية معارف العاملين في مجال مكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق الحاسب الآلي وتحديد أنواعها. كما عملت الدولة عبر أجهزتها الرسمية على تجفيف منابع الإرهاب واجتثاث جذوره من خلال إعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية التي قد تستغل لغير الأعمال المشروعة وقامت بإنشاء هيئة أهلية كبرى تتولى الإشراف والتنظيم على جميع الأعمال الإغاثية والخيرية بهدف تنظيم عمل تلك الهيئات وعدم السماح لذوي النوايا والأهداف الشريرة باستخدام الهيئات الإنسانية لأعمال غير مشروعة. كما جاءت له رعاه الله إجابة على سؤال من وكالة أنباء إيتارتاس ورد فيه أن العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، واجهت هجمات مروعة من الإرهاب الدولي مؤخرًا. ومبادرة بلادكم لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تثبت بأن الرياض تضطلع بالدور الرئيس في مكافحة الإرهاب في المنطقة. فما هي الطرق الأكثر فعالية لمكافحة الإرهاب؟ وما هو مصدر هذا الشر، وكيف ستطور بلادكم التعاون في هذا المجال مع دول أخرى بما فيها روسيا؟ فقال الملك عبد الله بن عبدالعزيز: «إذا ما قارنا وضعنا اليوم مع خطر الإرهاب فهو أفضل من عامين مضت كما هو بالتأكيد أفضل من خمس سنوات سابقة، وهذا الاضمحلال لخطر الإرهاب لم يأت من فراغ بقدر ما هو ثمرة جهود كبيرة في مواجهة هذه الظاهرة الشاذة. وما حققناه من إنجاز في هذا الشأن جاء بعون من الله سبحانه وتعالى، ثم بوقوف المجتمع وقفة واحدة في التصدي لهذه الظاهرة الدخيلة عليه والمنافية لمبادئه الإسلامية الحنيفة، وببسالة رجال الأمن في الذود عن عقيدتهم ووطنهم بكل تفانٍ وإخلاص. ولكون الإرهاب يعدُّ نتاجًا لفكر منحرف فإننا تعاملنا معه أيضًا من جوانبه الفكرية والثقافية تصحيحًا للأفكار الضالة الدخيلة على مجتمعنا. وحربنا ضد الإرهاب لم تنته بعد وسوف نستمر بمشيئة الله في جهودنا محليًا وعالميًا حتى يتم اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها». وفي إجابة لخادم الحرمين الشريفين على سؤال من صحيفة الباييس الإسبانية عمّا قامت به المملكة في مجال مكافحة الإرهاب، قال حفظه الله: «الخلايا الإرهابية منتشرة في العديد من دول العالم وقاراته بدون استثناء والمملكة كان لها نصيب منها للأسف الشديد، كما عانت إسبانيا بدورها، وقد تعاملنا معها بكل حزم وشدة واستطعنا بتوفيق الله عزّ وجلّ ثم بوقوف الشعب السعودي صفًا واحدًا التصدي لهذه الظاهرة الشاذة على مبادئنا الدينية والاجتماعية ومحاربة الفكر الضال المؤدي إليها، وجهودنا لا تزال مستمرة في هذا المجال بعون الله وتوفيقه. وإذا ما أردنا التعرف على منابع الإرهاب الدولي فعلينا التوجه إلى بؤر النزاعات الدولية التي تشكل أرضًا خصبة يستغلها الإرهابيون للترويج لمخططاتهم الإجرامية، ومنطقتنا زاخرة بهذه المشكلات. وبالتأكيد فإن حل هذه النزاعات لن يسهم فقط في تحقيق أمن واستقرار المنطقة وشعوبها، بل وسيدعم جهودنا المتواصلة في مكافحة هذه الظاهرة ويجرد الإرهابيين من حجة استغلالها لتحقيق مآربهم الخبيثة». وكانت الأعمال الإرهابية التي وقعت في المملكة قد حصدت أرواح حوالي (90) شخصًا من الضحايا المدنيين، وتسببت في جرح وإصابة نحو (608) أشخاص، وتكبدت الأجهزة الأمنية السعودية خسائر بشرية بين منسوبيها بلغت حوالي (65) وإصابة نحو (390)، فيما تمكنت المملكة من إحباط نحو (160) عملية إرهابية عن طريق الضربات الاستباقية للأجهزة الأمنية السعودية. وفق كلمة المملكة التي ألقاها معالي وكيل وزارة الداخلية الدكتور أحمد بن محمد السالم في المؤتمر الحادي عشر حول الجريمة عبر الوطنية الذي نظمه منتدى كرانز مونتانا في العاصمة الفرنسية باريس في شهر نوفمبر 2009م.