في الوقت الذي انتظرنا فيه فوز الشاعر السوري أدونيس بجائزة نوبل، بعد أن ظلّ اسمه يتكرّر على مدى دورات متعدّدة، جاءت من الصفوف الخلفية، من بلاد بعيدة عن اسم نوبل، في ظل حضور مصر المتكرّر، أو حضور اسم سوريا أو الجزائر كمرشحين فيما يخص جائزة نوبل للآداب، جاءت امرأة عربية، ومن اليمن السعيد، لتنتصر للمرأة العربية في أوطان لا توليها الاهتمام الذي تستحقه، جاءت الكاتبة والناشطة اليمنية توكل كرمان التي لعبت دوراً رائداً في النضال لأجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته. هذه الشابة الثلاثينية هي ابنة السياسي عبد السلام كرمان، وشقيقة الشاعر طارق كرمان، وتمتلك شجاعة تفوق عشرات، بل مئات الرجال، لذلك اختارتها مجلة التايم الأمريكية في المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية في التاريخ، وهي بلقيس الثانية أو أم الثورة اليمنية كما يسميها اليمنيون. هل هو تكريم للمرأة العربية فحسب، أم هو تكريم للعالم العربي الجديد في ربيعه الذي أربك، ومازال يربك العالم، إنْ لم يكن يقوده لأول مرة في التاريخ إلى اعتصامات مماثلة، فنموذج الثورة التونسية التي انتقلت شرارتها إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن، استمرت تثير الأقليات والمضطهدين في مختلف أنحاء العالم، مرة في شرق آسيا، ومرة ثانية في أوروبا، بل إنّ آثارها اجتاحت قبل أيام أنحاء نيويورك، حينما تظاهر آلاف الأمريكيين في قلب حي المال متجهين إلى احتلال شارع وول ستريت، تماماً كما أصر المصريون على الاعتصام في ميدان التحرير، هذه الاحتجاجات جاءت ضد الفساد والغلاء والبطالة وجشع التجار... وبشكل عام ضد إهدار كرامة الإنسان!. فهذه الجزيرة العربية التي أنجبت اليمنية توكل كرمان، أنجبت ومازالت تنجب العشرات من النساء البارعات في مختلف المجالات، لكنهن في الظل، في الهامش، وهذا ليس ذنبهن، كما هو ليس ذنب اليمنية توكل، إنْ لم يعرفها عامة العرب كما يعرفون محمد أبو تريكة أو هيفاء وهبي، أقول إنّ هذه الجزيرة العربية بمختلف دولها، تمتلك طاقات بشرية هائلة نساءً ورجالاً، وإنْ لم يخنّي حدسي، ستكون مهيمنة وحاضرة في المشهد العالمي، وستثبت أنّ هؤلاء الذين جاءوا من الريف والجبال، هؤلاء الرعاة والبدو، ستكون لهم رؤية في تطوير بلدانهم بعد أن عانت طويلاً من قمع الحريات وسيطرة الرأي الواحد. ولعلّ الأجمل في حكاية توكل كرمان أنها حصدت نوبل من الأكاديمية السويدية، وصفّق لها العالم، في الوقت الذي تتلقّى فيه التهديدات بالقتل في بلادها، من كتائب تطالبها بالاعتذار للشعب اليمني والاعتراف بعمالتها للولايات المتحدةالأمريكية. هذه الشابة التي تحمل الماجستير في العلوم السياسية، والتي كتبت مئات المقالات مناشدة للديمقراطية ومناصرة لحرية التعبير وحقوق الإنسان، هذه الشابة التي كافحت لكشف الفساد وأخرجت عدداً من الأفلام الوثائقية حول ظاهرة الانتحار في اليمن، وظاهرة تهريب الأطفال من اليمن، هذه الشابة الوطنية المخلصة أصبحت بقدرة قادر مجرّد عميلة لأمريكا، فهل يمكن أن يتقبّل الشارع العربي، وفي هذا الزمن تحديداً، مثل هذا الكلام؟. لا أعتقد!