على الرغم من الدور الفعال لجهود وزارة الداخلية في ضبط أسعار بعض السلع الأساسية وتدخلها لتنظيم السوق بفرض عقوبات ضد المغالين في أسعار تلك السلع مثل الحديد والأرز والشعير، إلا أن هذه الجهود وحدها غير كافية للسيطرة على السوق وحماية الطرف الضعيف في المعادلة وهو المستهلك حيث الواقع العملي يشير إلى الزيادة المطردة والمفتعلة لأسعار الكثير من السلع بسبب التحكم في أسعارها بالزيادة أو الخفض، أو التخزين دون وجه حق، أو الامتناع عن التعامل فيها، الأمر الذي يثير التساؤل عن دور جهاز حماية المنافسة. ومرة أخرى من خلال هذه الزاوية، نقول إن السوق السعودي بحاجة إلى جهاز فعال وقوي لتنظيم المنافسة ومكافحة الاحتكارات في سوق ضخم ومترامي الأطراف. فليس من الصواب رمي الحمل على جهاز وزارة الداخلية وحده المثقل بالأعباء التي تدخل في اختصاصه، أو التعويل على الإجراءات الرقابية لوزارة التجارة وحدها. وأول خطوة لتفعيل هذا الجهاز هي إعادة هيكلته بفصله عن وزارة التجارة وربطه بالملك مباشرة، وإعادة تشكيله من أعضاء مستقلين لا يتبعون إلى أي جهاز حكومي، وتعديل بعض مواد نظام المنافسة الحالي التي تقيد من نشر التحقيقات التي يجريها، لكي يعمل تحت النور لا في الخفاء، وليعرف الجمهور والتجار أن هناك جهازاً معنياً بتنظيم المنافسة. فعلى الرغم من سخونة القضايا التجارية التي شهدها السوق السعودي، لم يسمع جمهور المستهلكين عن دور الجهاز الحالي تجاه تلك القضايا بسبب المواد المقيدة في النظام التي تفرض على أعضائه وموظفيه المحافظة على سرية المعلومات والتحقيقات التي يجريها. فهو للإنصاف لم يكن غائباً كلياً عن تلك القضايا، لكن تركيبة المجلس التي تتشكل من أعضاء موظفين في جهات حكومية لديهم من الأعمال والأعباء ما يشغلهم عن عمل المجلس، والمواد المقيدة في النظام، هي التي جعلته وكأنه يعمل في معزل عن الجمهور. وقد حان الوقت لإعادة النظر في هيكلته ونظامه، ليواكب التحديات، وليؤدي دوره على الوجه المطلوب مثلما تفعل أجهزة حماية المنافسة في الدول الأخرى التي لا تقل هيبة عن أجهزة مكافحة الجريمة.