منذ أن طفت على السطح مشكلة البطالة لدى الشباب السعودي، ووزراء العمل الذين تعاقبوا على الوزارة يبتكرون ويخططون، يناقشون ويجادلون ويهددون، إلا أن البطالة استمرت، بل وزادت عمّا كانت عليه في بداياتها. معالي الوزير الحالي سار على نهج سلفه وهو يحاول بنطاقات وألوانها القوس قزحية أن يحل مشكلة البطالة عن طريق (السعودة) وهو ما فشلت كل جهود من سبقوه في تحقيقه. الوسيلة اختلفت ولا شك، حيث إنها اشتملت ولأول مرة على عقوبات وحوافز، وصنفت المنشآت بحسب عدد عمالتها من سعوديين وأجانب، واستثنت المنشآت الصغيرة ممَّن تقل عمالتها عن تسعة وفقاً لما ذُكر في وسائل الإعلام. لكن هناك أسئلة كان من المفترض الإجابة عليها قبل تفعيل برنامج (نطاقات) وتنفيذه، هذه الأسئلة تتمحور في الآتي: 1 - كم عدد العمال الأجانب في منشآت القطاع الخاص؟. 2 - ما هي الوظائف التي تشغلها هذه العمالة الأجنبية؟. 3 - هل هذه الوظائف ممَّن يقبل عليها المواطن السعودي؟. 4 - هل هذه الوظائف تتناسب ومؤهلات العاطل السعودي؟. 5 - كم عدد العاطلين عن العمل، وما هي الزيادة المتوقعة السنوية للعاطلين قياساً على حجم الوظائف المتوفرة وأعداد ممن سيتجاوزون السن القانونية ويدخلون سوق العمل، وما هي مؤهلاتهم؟. الأمر يحتاج إلى حملات إحصائية كبيرة، إذ إنه وعلى فرض بأن حملة (نطاقات) نجحت في توظيف 70% من العاطلين بسبب الحوافز والعقوبات خلال ثلاثة أعوام، فما يدريها أن عدد من سيدخلون سوق العمل من الشباب السعودي والشابات السعوديات خلال هذه الثلاث سنوات أعلى بكثير ممن استطاع برنامج (نطاقات) توظيفهم؟. ثم من سيضمن العدالة في تطبيق (نطاقات)؟.. فما هو معروف أن أصحاب السجلات التجارية من الشركات يتمتعون بميزة فصل عمالتهم في منشآتهم عن عمالتهم في منازلهم ومزارعهم واستراحاتهم، حيث يسجل بعض تلك العمالة على السجل التجاري، والبعض الآخر على السجل المدني، أما أصحاب المهن الحرة ومن هو على شاكلتهم فإن موظفيهم في مكاتبهم وعمالتهم المنزلية وعمال أيّ ممتلكات أخرى لهم، يسجل جميعهم على السجل المدني مما يدخل المهني أو صاحب المنشأة الفردية في النطاق الأحمر. لن أستعجل الحكم على كفاءة (نطاقات) فالتطبيق العملي وحده كفيل بذلك، لكنني أجزم من أنه لو سعودت كل الوظائف الحالية بما فيها خدم المنازل فلن تحل مشكلة البطالة لدى السعوديين، لسبب بسيط وهو أن معدل نمونا السكاني يفوق النمو في فرص العمل وبالتالي فإن مشكلة البطالة على المدى الطويل لن يحلها (نطاقات) وإن نجح مسعاه آنياً، ولابد للحد من أعداد العاطلين التي تتزايد بفعل النمو السكاني ودخول عشرات الألوف سنوياً إلى سوق العمل من أن تتزامن هذه الوسيلة مع وسيلة أخرى تتمثل في استحداث فرص عمل سنوية تتناسب وأعداد الخريجين ومؤهلاتهم الدراسية، يشترك في إعدادها وتطبيقها القطاعان الحكومي والأهلي، ويتم تمويلها من القطاعين.. فليس من الصعب أن نتوقع عدد الخريجين خلال العشر سنوات المقبلة ونوجههم نحو تخصصات معينة، ونوجه الاستثمارات الحلية والأجنبية نحو إقامة منشآت صناعية أو تجارية أو خدمية تستوعب أعداد هؤلاء الخريجين بعد تدريبهم وتأهيلهم في معاهد ينشئها القطاع الأهلي لتأهيل عمالته قبل تعيينها، والاعتماد السريع لحوافز الاستثمار في المناطق النائية. القطاع الحكومي هو أيضاً مطالب بالتوسع، فلدى الدول الأخرى وزارات غير موجودة لدينا مثل وزارة البيئة ووزارة البنية التحتية ووزارة الإدارة المحلية، وبالإمكان فصل الاقتصاد عن التخطيط في وزارة مستقلة، وإعادة وزارة الصناعة، وتحويل التجارة إلى وزارتين إحداهما للتجارة الداخلية والأخرى للتجارة الخارجية وفصل الإعلام عن الثقافة ووزارة للثروة السمكية، وتحويل عدد من الهيئات العامة كالسياحة إلى وزارة أسوة بهيئة الإسكان. ثم إذا كان الملك -حفظه الله- قد قرر عدم تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي وأتاح لها المشاركة السياسية في مجلس الشورى والمجالس البلدية ترشيحاً وانتخاباً، مما يعني ضمناً حصول المرأة السعودية على حقوقها ا لمدنية والاقتصادية، ولما كانت هذه القرارات وما سبقها وما قد يلحقها تحتاج إلى من يديرها ويتابع تنفيذها ويعود إلى الملك مباشرة لإزالة ما قد يعترض تنفيذها من عقبات، أفلا يكون من الرأي استحداث وزارة تعنى بشئون المرأة على الأقل خلال هذه المرحلة الانتقالية؟. أنظر إلى ذلك اليوم الذي أرى فيه (نطاقات) وقد ساهم في توطين الوظائف دون نقص في الخدمات، وأن يطبق بالتوازي مع برامج تنمية تخلق فرص عمل مستدامة للمواطنين، بل وأتمنى أن يتجاوز (نطاقات) مهمته تلك إلى مهمة أخرى لا تزال مهملة، ألا وهي حفز القطاع الأهلي على تحمل المسؤولية الاجتماعية والإسهام في بناء المستشفيات والجامعات الخيرية والمنح الدراسية والمراكز البحثية ودور الرعاية المتكاملة لكبار السن، وأن تعاد هيكلة الاستثمار الأجنبي ليكون هدفه الأول هو توظيف السعوديين في فرص عمل جديدة في قطاع التقنية واقتصاد المعرفة.