كتبتُ في الجزيرة بتاريخ 30-04-1432ه - أي منذ نحو عشرة أشهر ونيف - مقالاً تحت عنوان «انتخابات المجالس البلدية» 1432ه «خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح» وأشرت في حينه إلى أنَّ المستقبل القريب قد يفتح المجال لتوسيع المشاركة المجتمعية في العمل الوطني العام عبر مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية بركنيها الترشيح والتصويت. وقد تصل رياح هذه المشاركة إلى مجلس الشورى. حقيقةً لم أكن أشير إلى ذلك من باب الأماني والأحلام، أو رمي الكلام على عواهنه، بلْ لقناعتي الكاملة بالرؤية التطويرية والإصلاحية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله التي تتحسس نبض الشارع، واحتياجات الوطن والمواطن، وتعتمد الخطوات الإصلاحية المتدرجة، لتحقيق المزيد من الفعالية التنظيمية والإدارية في أجهزة الدولة على المستوى المؤسسي والهيكلي، وفتح المزيد من مسارات التحديث، لمواكبة مستجدات العصر وتطوراته المتسارعة، وبناء مؤسسات المجتمع المدني، وفق معادلة توازنية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والمحافظة والتحديث، بعيداً عن بعض الأنساق الفكرية المنغلقة، المتوجسة من حركة التجديد والتحديث والإصلاح، أو تلك المتحررة من روابط الدِّين وتراث المجتمع. ولمقابلة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها المملكة، والدور القيادي الذي تضطلع به في محيطها العربي والإسلامي والدولي. وللتعاطي بصيغٍ إيجابية، مع المتغيرات الإقليمية والعالمية. هذه الخطوات الإصلاحية وفق رؤيته حفظه الله لا يمكن أن تصدر إلا بعد أن تأخذ كفايتها من الدراسة المستفيضة، والتعديل والتنقيح، والمراجعة والتمحيص، في سبيل استكمال شرائطها الموضوعية، وسياقاتها الفكرية والمنهجية، وصولاً إلى مرحلة التنفيذ والتطبيق، وفق أسس وقواعد ثابتة، تكفل نجاح عناصر هذا المشروع الإصلاحي الكبير. ومن ثمَّ وفي هذا السياق والرؤية الثاقبة للملك عبد الله حفظه الله يمكن إدراج قراره التاريخي بمشاركة المرأة السعودية في عضوية مجلس الشورى في نسخته السادسة، ومشاركتها كذلك في الانتخابات البلدية تصويتاً وترشحاً في نسختها الثالثة. والذي أعلنه في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى - في افتتاح السنة الثالثة للمجلس في دورته الخامسة. ولاشكَّ أن هذا القرار التاريخي بتأصيله الشرعي المعتبر يؤكد من جديد على الرعاية الملكية الكريمة للمرأة السعودية، بتطوير قدراتها المكتسبة، والدفع بها نحو المشاركة بفعالية أكبر في ميكنة البناء والتنمية، واعتبارها شريكة للرجل في الأعمال والمهام وصنع القرار، وبما يُحقّق لها طموحاتها العلمية والعملية، في إطار قِيم هذا الدِّين الحنيف ومبادئه. وكان من أبرز مؤشرات هذه العناية والثقة بالمرأة السعودية المبادرة بتعيين أول امرأة سعودية في منصب تعليمي رفيع (نائب لوزير التربية والتعليم) ومشاركة نحو (12) مستشارة في مناقشات وجلسات مجلس الشورى، ناهيك عن الكثير من المناصب والمهام التي أُسندت للمرأة السعودية في التعليم العام والعالي والصحة والشؤون الاجتماعية. وفي ذلك إشارة ودلالة قوية لطبيعة الاتجاه المستقبلي، بما يخص نظرة وتقويم الدولة لأدوار المرأة السعودية في البناء السياسي والاقتصادي والثقافي الوطني. هذه الخطوة الإصلاحية المتقدمة ينبغي أن نضع لها الأُطر والقواعد القانونية والإدارية والتنفيذية الملائمة بما يكفل نجاح هذا الاستحقاق الكبير للمرأة السعودية، ويدعم بالتالي مقومات الشراكة الوطنية بين نصفي المجتمع النساء والرجال. بوركت يا صانع الإصلاح والتطوير وملهمه، وهنيئاً للوطن برجاله ونسائه بهذه القيادة الملكية الحكيمة التي تستشرف آفاق البناء الوطني برؤية ثاقبة، تضع في اعتبارها في المقام الأول مصلحة هذا الوطن وعِزته وتقدمه واستقراره، في خضم بحرٍ متلاطمٍ يجتاح المنطقة العربية والإقليمية. كلمة أخيرة: حققت المرأة السعودية خلال عقودٍ من البناء والتنمية إنجازات متراكمة في مجالات التعليم والتحصيل المعرفي، بما يجعلها مؤهلة تماماً للمشاركة مع الرجل في صنع القرار الوطني. من أقوال الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله عن المرأة السعودية: «إن المرأة تحمل مسؤولية أن تحافظ على استقرار المجتمع وأن تساهم في بناء اقتصاد الوطن، وأن تمثل هذا المجتمع والوطن خير تمثيل خارجه وداخله، فتكون الأم الحانية والمواطنة البانية والموظفة المجدة وتكون في الخارج سفيرة وطنها ومجتمعها ولها في دينها وعقيدتها وقيم مجتمعها أسوة حسنة».