تحتفل المملكة بيومها الوطني الحادي والثمانين الذي يصادف هذا العام يوم الجمعة 25-10-1432 الموافق 23-سبتمبر-2011 م، وهو ذكرى إعلان الملك عبدالعزيز - رحمة الله - توحيد هذه البلاد وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها يوم 19- من جمادى الأولى عام 1351ه، بعد جهد استمر اثنين وثلاثين عاماً لتوحيد هذه البلاد. إن توحيد أرجاء هذه البلاد الواسعة التي كانت تتنازعها الحروب والفتن وانعدام الأمن، توحيدها في مملكة واحدة قوية، وإرساء الأمن فيها، حتى غدا المرء يسافر من أقصاها إلى أقصاها لا يخاف إلا الله تعالى، حدث لم يكن من الأحداث العادية، ليس فقط على مستوى المنطقة، بل على مستوى العالم كافة. فهو أول تجربة وحدوية حقيقية ناجحة في العالم العربي، حيث نقل المؤسس رحمه الله هذه البلاد من الفرقة والتخاصم بين الإمارات الصغيرة، والقبائل العديدة المتناحرة، إلى بلاد موحدة قوية برجالها، وبإيمانها، وباعتمادها بعد الله على سواعد أبنائها. انتشالها - رحمه الله - من الفرقة إلى اللحمة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الفوضى الأمنية إلى الاستقرار والأمن، ومن الأمية إلى التعلم والتنمية المستدامة. إن الاحتفاء بذكرى التوحيد ويومنا الوطني ذكرى تجعلنا نستشعر ما أفاء الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد من فضل كبير بأن قيض لها ولاة أمر استقاموا على صراط الله المستقيم، وحكموها بما أمر الله به من عدل وتقوى، على هدي من كتاب الله وسنة رسوله، في كل شؤونها، حتى غدت اليوم مثالا يحتذى في أمنها، وأمانها، واستقرارها واعتدالها، وتنميتها الاقتصادية، وسياستها الخارجية المتزنة. إذا كان لنا أن نفتخر نحن أبناء هذه البلاد في يومنا الوطني بكل ما تحقق لبلادنا من تقدم وازدهار توالت منجزاته منذ عهد المؤسس - رحمة الله - وأبنائه البررة من بعده: سعود وفيصل وخالد وفهد، وبلغ ذروته في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فإن أغلى ما نفتخر به في هذه البلاد أنها قامت على هدي من كتاب الله وسنة رسوله دستوراً ونظاماً وقضاءاً ومنهجاً، واستمرت على هذا المنهج القويم، منارة للاعتدال والوسطية دون إفراط أو وتفريط، في مختلف شؤونها الدينية والاجتماعية. كما أن من الأشياء العظيمة التي تفتخر بها هذه البلاد في يومها الوطني المجيد احتضانها ورعايتها للحرمين الشريفين، وما يلقيانه من عناية كبيرة منذ عصر المؤسس حتى الآن، حيث وضع ولاة أمر هذه البلاد توسعة الحرمين الشريفين عدة مرات، والعناية بالمشاعر المقدسة، وتسهيل أمور الحجاج والمعتمرين والزوار في أولى الأولويات في كل عام، فما تكاد تنتهي مجموعة من المشاريع ألا وتبدأ أخرى، في تنمية مستمرة وتطور لا ينتهي. وكانت آخر هذه التوسعات ما تفضل بإقراره وتنفيذه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العشر الأواخر من رمضان في هذا العام للحرم المكي الشريف وساحاته الخارجية. إننا حين نستعيد ذكرى التوحيد في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لننظر بفخر إلى واقع يفيض بالمبادرات التنموية والإصلاحية الشجاعة، التي شملت التعليم، والقضاء، والاقتصاد، والحوار الوطني، والحوار مع الحضارات الأخرى، ومشاريع التنمية الواسعة التي شملت جميع مناطق المملكة، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، والعناية بالمجتمع ومحاربة البطالة، وإقرار حد أدنى للأجور، وإعانة مجزية للباحثين عن العمل حتى يحصلوا على الوظيفة المناسبة. إن أهمية الاحتفاء بيومنا الوطني أنها مناسبة لاستذكار عظمة هذا الإنجاز، انجاز التوحيد تحت راية لا إله الا الله محمد رسول الله، وإنجاز التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والإنساني الذي تحقق لهذه البلاد. وهو إنجاز يذكر بمسئولية جميع شرائح المجتمع، ويحفزها للمحافظة على مكتسبات هذا الوطن بأن يستشعر كل فرد من أفراد هذا المجتمع مسؤولياته في الحفاظ على هذا الوطن شامخا أمانناً مستقراً. ولن يأتي ذلك إلا عندما يستشعر كل فرد من أبنائه بأنه شريك في هذا الوطن، فكما أن له حقوقاً فعليه واجبات، منها أن ينظر إلى الوطن الكبير نظرته إلى منزله ووطنه الصغير، وينظر إلى شعب المملكة بعامة نظرته إلى أسرته الصغيرة، وينظر إلى الممتلكات العامة نفس نظرته إلى ممتلكاته الخاصة. فكما أن أي فرد منا لا يرضى أن يمس أحد منزله أو ممتلكاته الخاصة بسوء فيجب أن يكون هذا الشعور نفسه لكل مكتسبات الوطن، وكما أن الإنسان لا يرضى أن يمس أحد من أفراد أسرته بأي أذى، فيجب أن يكون هذا الشعور نفسه لكل فرد من أفراد أسرته الكبيرة، شعب المملكة العربية السعودية، الذي يشاركه الحب والولاء لهذه البلاد الطاهرة، والغيرة عليها، والدفاع عنها ضد كل من يضمر لها الشر، كائناً من كان. إن الاحتفاء بذكرى يومنا الوطني ذكرى تذكر شبابنا وتربطهم بماضيهم، وما بذله أجدادهم من جهد متواصل منذ عهد المؤسس - رحمه الله - لبناء هذا الوطن، وهي ذكرى تحملنا مسئولية الحفاظ على ما بناه أجدادنا، فنحن مهما اختلفنا في أقاليمنا وقبائلنا ولهجاتنا وأفكارنا فإن هناك رابط قوي يجمع شتاتنا، هو هذا البناء القوي الذي بناه المؤسس رحمه الله على دعائم قوية من هدي كتاب الله وسنة رسوله، فانصهرت أقاليمه وقبائله وفئاته الاجتماعية في مجتمع متكاتف متحاب يسعى بقوة لنقل هذا البلاد بما يتوفر لديها من إمكانات اقتصادية وتعليمية وإدارية إلى مصاف الدول المتقدمة. وفي الختام أتقدم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز وسمو أمير منطقة الرياض وسمو نائبه - حفظهم الله -، وإلى الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الأبي بخالص التهاني والتبريكات بمناسبة يومنا الوطني المجيد، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين ونائبيه من كل مكروه، وأن يمد في أعمارهم على طاعة الله، وأن يديم على هذه البلاد أمنها وأمانها واستقرارها ورغد عيشها أنه سميع مجيب. (*)وكيل جامعة الامام لخدمة المجتمع وتقنية المعلومات