يقول خبر بجريدة شمس بأنّ التعدِّيات على الأراضي الحكومية في جدة، قد انخفضت إلى النصف، عما كانت عليه بعد الكارثة في نهاية 2008م، يا رب لك الحمد والفضل، إذن بدلاً من ضياع 45 مليون متر مربع كانت مخصصة للخدمات والمرافق الحكومية، ستنخفض مساحات الأراضي الضائعة إلى النصف، ما شاء الله! أعتقد أنّ هذه أجمل عيدية سيسعد بها المواطن!. هكذا تتحوّل مساحة عشرة آلاف متر مربع، كانت مخصصة لحديقة أو مدرسة بنات أو أولاد إلى مخطط صغير يحتوي على ثلاثين قطعة أرض، وهكذا وأنت تحلم بأن يدخل أطفالك إلى مدرسة حكومية أرضها أمام باب منزلك مباشرة، كما هي في المخطط الورقي، تباغتك لوحة جميلة مكتوب عليها: الأرض للبيع، حتى تدرك أنّ الأرض قد طارت، وأنّ الواقع أكثر بؤساً من أحلام الأوراق أمام عينيك!. مؤخرًا، وفي المخططات الجديدة، حسب علمي، أصبح على مالك المخطط أو المطوّر، إفراغ كل قطع الأراضي المخصصة كمرافق حكومية لصالح الجهات المختصة، فالحديقة يتم إفراغها إلى الأمانة، والمدرسة إلى وزارة التعليم، والمسجد إلى وزارة الشؤون الإسلامية، والمستوصف إلى وزارة الصحة وهكذا... ورغم أننا نتمنى أن يكون الأمر حازمًا، والعقوبات صارمة ضد من يتعدّى على الأراضي الحكومية، لأنها في النهاية ملك للمواطن الذي سيقطف خدماتها في المستقبل، أقول رغم ذلك يظهر سؤال مهم، ماذا عن الأراضي الحكومية المخصصة للخدمات في مدن البلاد كلها، والتي طارت خلال السنوات العشر فقط، ببناء أسوار حولها، وخسر المواطن خدمات كان له الحق بالتمتع بها، أليس من الطبيعي إعادتها إلى ملك الحكومة؟ وبالتالي تحويلها إلى منافع مشروعة للمواطنين؟. هذا الأمر الذي يسمّى «تعدّي»، هو تعدٍّ على المال، أي أنه لا يختلف عن التعدِّي على النفس، فمال المسلم ونفسه وعرضه حفظها الله سبحانه، وحرّمها رسوله عليه الصلاة والسلام، فكيف تربّينا منذ الطفولة على أنّ هذا الأمر هو أمر عادي ومسلّم به؟ كيف تربّينا على أنّ ممتلكات الحكومة هو حقٌّ شائع للجميع، وأنّ إتلاف المرافق الحكومية هو أمر معتاد؟ كيف أصبحت إجابة من يأخذ شيئًا أو يتلف شيئًا: حلال الحكومة!. كيف نستطيع أن نجعل الإنسان يشعر بالمواطنة؟ ويشعر بأحقيته بهذه المرافق، أو الأراضي التي كانت ستصبح مرافق حكومية قبل أن يتم التعدِّي عليها؟ كيف نجعله يؤمن بالدفاع عنها؟. يختتم الخبر الصحفي بأنه سيتم إنشاء مراكز إضافية للتعدِّيات في جدة وفي أنحاء متفرّقة، لرصد المعتدين والحيلولة دون إقامتهم لأسوار وأحواش اشتهروا بها... بمعنى أنه عليك عزيزي المواطن أن تكون يقظاً حينما تستيقظ صباحاً وتصطدم عيناك بحائط بلك، لتكتشف بأنّ الأرض الحكومية أمام منزلك قد أحيطت بسور في ليل أسود لا قمر فيه، وأن تبادر بإيقاف ذلك بأن تبلّغ الجهة المختصّة عن شكوكك بما يحدث، بل أن تسعى وتتابع كي تصل إلى الحقيقة، فتلك أولى عتبات المواطنة الحقّة.