تولى السيد نبيل عبدالله العربي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في الخامس عشر من شهر مايو للعام الجاري 2011م وهو بذلك يكون الأمين السابع لها منذ نشأتها حتى الآن والسادس من أمنائها من دولة عربية واحدة أستطيع أن أجزم أن أحداً منهم - الستة - لم يحقق أياً من تطلعات الشعوب العربية التي تستظل بتلك الجامعة، بل إنها باتت كالبيت المهجور الذي تحوم فوقه الطيور ثم ما تلبث أن تبتعد. أظهرت الخلافات القائمة حول منصب الأمين العام للجامعة العربية انعكاساً للجو العام السائد فيما بين الدول العربية وعلاقاتها ببعضها البعض من جهة، وضعف ميثاق الجامعة العربية الذي لم ينص على تحديد عدد الدورات التي يحق للأمين العام الترشح لها من جهة أخرى، وبالتالي خرجت تلك الخلافات على السطح لتكرّس النظرة القاتمة لدور الجامعة العربية في كل ما تقوم به. ففي الوقت الذي نصت عليه المادة 12 من القانون الذي جاء في ميثاق جامعة الدول العربية والخاص بتعيين الأمين العام لها بأنه لا بدّ من موافقة أكثرية ثلثي دول الجامعة لتعيين الأمين العام، حيث تنص المادة على أن: «يكون للجامعة أمانة عامة دائمة تتألف من أمين عام، وأمناء مساعدين، وعدد كافٍ من الموظفين، ويعين مجلس الجامعة بأكثرية ثلثي دول الجامعة الأمين العام، ويعيّن الأمين العام بموافقة المجلس الأمناء المساعدين والموظفين الرئيسيين في الجامعة»، أقول في الوقت الذي أشارت إليه تلك المادة بوضوح آلية اختيار من يشغل ذلك المنصب إلا أن ثمة خلاف ظهر مؤخراً على الساحة بعد أن أعلن أمينها العام السابق عدم رغبته في تجديد ولايته لدورة أخرى فنادت دولاً عربية عدة بضرورة تدوير المنصب على أعضاء الجامعة البالغ عددهم اثنتين وعشرين دولة بغية تحقيق مبدأ الديمقراطية الذي يتماشى مع طبيعة المنظمات الإقليمية والدولية وهي التي تضم أطرافاً متعددة كالجامعة العربية، حيث يكون هناك تداول عن طريق الديمقراطية بالاقتراع أو عن طريق التوافق أو عن طريق التزكية في مناصب المسؤولية، كما يحدث في الاتحاد الإفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وفي منظمة الأممالمتحدة، وفي الاتحاد الأوروبي، وفي منظمة الأمن والتعاون الأوروبي فيما ذهبت دول أخرى لضرورة إبقاء منصب الأمين في مصر الشقيقة باعتبارها مقراً للجامعة وأيضاً رائدة الدول العربية، وتعذر بعض المناديين بضرورة إبقاء المنصب بالعرف السائد الذي منح الشاذلي القليبي المنصب حينما كان مقر الجامعة في تونس بين عامي 79 و90 ميلادي بينما تولى ذلك المنصب مصريون خمسة منذ تأسيسها عام 1945م حتى الآن باعتبار وجود الجامعة في مصر، وأن من الخطأ الربط بين أداء الجامعة وأمينها ذلك أن الجامعة وإن كانت تتسم بالبيروقراطية المقيتة ولجانها غير فاعلة ودورها استشاري غير ملزم ولا تنفيذي وأداؤها ضعيف فهذا لا يعني أن الإشكالية في أمينها العام. تبرير ضعف الجامعة بهذا الشكل في مقابل الدفاع عن منصب أمينها العام والخوف من فقدانه إنما يكرّس المفهوم الواقعي الموجود لدى مواطني الدول التي تحظى بمظلة تلك الجامعة، فيتم الاعتراف بعدم كفاية الجامعة وفقدانها للمصداقية لدى المنظمات الدولية فضلاً عن الدول العربية التي يُفترض لها أن تقودهم، وتفشي مرض البيروقراطية فيها وفي آلياتها واعتبارها جهازاً في أرشفة القرارات ومقبرة لبيانات التنديد والشجب. لقد عجزت الجامعة عبر تناوب عدد من الأمناء على إدارة دفتها عن إيجاد حل لأي مشكلة عربية على مدى نصف قرن حتى علا صوت المطالبين بضرورة تصحيح أوضاع الجامعة ممن فعلاً يرجون أو يتأملون إصلاحاً ما، أما أولئك الذين أصابهم الإحباط من إمكانية تعديل مواثيق الجامعة وخصوصاً تلك المتعلقة بالبنية الأساسية لرسم إستراتيجيات علاقات الدول العربية فيما بينها ذهبوا بإحباطهم لأخذ مواقف انفرادية لا يلامون إطلاقاً عليها في ظل وجود مظلة لا تحمي أحداً من لهيب الشمس ولا من أمطار الصيف، ففي كل رقعة منها هناك شق وفتق. لا أستطيع تصور أن يأتي أمين جديد للجامعة العربية يحمل أجندة معينة لتحسين بنيتها الأساسية وآليات عملها وتفعيل لجانها والعمل على إلغاء الفردية في التعاطي مع القرارات والقضاء على البيروقراطية المستفحلة، لا أستطيع تخيل أن يأتي أمين عام جديد يكون لديه تصورات معينة وأفكار محددة والعمل على تحقيقها فيما يخص تعديل مواثيقها لتنسجم مع طموحات وتطلعات الدول العربية شعوباً وحكومات، لا أستطيع حقيقيةً تصور أن يأتي أمين عام جديد يحرك ساكناً سوى تكريس ضعف الجامعة وإثبات فشلها وتعليق ذلك على حكومات الدول العربية أو على أجهزة ولجان الجامعة التي يرأسها، هذا إن هي بقت وإستمرت. إلى لقاء قادم إن كتب الله.