منذ منتصف شهر شعبان ووسائل الإعلام كافة تتنافس في استقطاب إعلانات المؤسسات الغذائية والمراكز التجارية بمختلف أنواعها وكل يعلن عن الأصناف المتوافرة لديه من المواد الغذائية المشتهرة في رمضان وفي غيرها، ثم هناك سباق محموم آخر جاء إلينا متأخراً وارتبط بشهر رمضان مع الأسف فقد لحظ الجميع التنافس المثير من القنوات الفضائية في الإعلانات عن برامجها ومسلسلاتها التي لا نراها تنشط سوى في شهر رمضان، وليت إعلانات القنوات الفضائية اقتصر على شاشاتها بل تعدى ذلك إلى الصحف واللوحات الإعلانية في الشوارع، وهكذا أراد هؤلاء أن نستقبل شهر رمضان بالسهر والأكل واللهو والعبث تنافياً مع مقصد شهر الصوم والحكمة من فرض الصيام، يقول الحق تبارك وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والله -سبحانه وتعالى- غني عن صيامنا وسائر أعمالنا وإنما المقصد التقوى. كان السلف الصالح يعتزلون الدروس وحلقات العلم في شهر رمضان المبارك ويقولون: هذا لتلاوة القرآن وذكر الله -عز وجل- والتسبيح والتحميد، صيام بالنهار وقيام بالليل، وشتان بين حال السلف وحال كثير من الخلف الذين جعلوا ارتباطاً غير شرعي بين شهر التقوى والإحسان شهر الخير والقرآن وبين الأكل والشرب والسهر والمسلسلات والبرامج الهزيلة التي لا تتناسب وحرمة الشهر وعظمته ومكانته عند الله سبحانه ثم عند المسلمين. ومن المصائب الأخرى التي ابتلينا بها من القنوات الفضائية ومن بعض ضعاف النفوس أن جعلوا في بعض القنوات نقلاً مباشراً لما يسمى بالخيام الرمضانية في بعض البلدان الإسلامية وهي مع الأسف «ملاهي ليلية» تغير مسماها «تجارياً»إلى» خيام رمضانية «يتم فيها العزف والرقص والأغاني في الأوقات التي ترفع فيها صلوات الأئمة بصلاة التراويح والتهجد وجعلوا ما يسمونه «أجواء رمضانية» مكملات لديكورات الخيم الرمضانية ومكوناتها «الشيشة - الفوانيس - المسبحة» ولقد رأيت إعلاناً بصحيفة عربية تعلن فيها عن الخيمة الرمضانية بإحدى الفنادق ويحييها ليلياً الفنان (فلان) والفنانة (فلانه)، مع توافر العناصر التي ذكرناها مسبقاً وفي ختام الإعلان «مسبحة خاصة هدية لكل زائر وضيف»!! ومما يؤسف عليه أيضاً فإن غياب الفهم للمقاصد التربوية والشرعية لشهر الصيام امتدت إلى مجتمعنا فأصبح الكبار والصغار على حد سواء يسهرون بالليل على اللهو لا على كتاب الله ولا على أمر يفيد بل على القنوات والانتقال من برنامج إلى برنامج ولم يعد لكتاب الله من نصيب في القراءة لا ليلاً ولا نهاراً ثم يأتي الموظف إلى العمل كسولاً خاملاً لا ينجز عملاً وإذا ما طلب منه شيء تضجر وقال: «نحن صيام» وقد أمضى ليله سهراً وأما الأبناء ففوات الصلوات أمر وارد وانظروا إلى المصلين وأعدادهم في صلوات الظهر والعصر في المساجد فهي أشبه بحال المساجد في صلاة الفجر في أيامنا العادية! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضوان الله عليهم- والسلف الصالح يدعون الله سبحانه وتعالى في الستة الأشهر التي تسبق رمضان أن يبلغهم رمضان وإذا انصرف الشهر المبارك سألوه أن يتقبل منهم، فكم الفرق بين حالنا وحال السلف في رمضان.. والله المستعان. خاتمة: قال تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ .