في خبر بثته رويتر يوم الاثنين الماضي جاء فيه: (اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الاثنين أن الرئيس السوري بشار الأسد «فقد شرعيته»)، وذلك في موقف هو الأول في نوعه بعد أربعة أشهر من بدء التحرك الشعبي في سوريا ضد النظام. وأضافت في حديث للصحفيين: (الرئيس الأسد ليس شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه وإن الولاياتالمتحدة ليست معنية ببقاء نظامه في السلطة ولو اعتقد أحد، بمن في ذلك الرئيس الأسد، أن الولاياتالمتحدة تأمل سراً أن يخرج ذلك النظام من هذه الفوضى كي يواصل وحشيته وقمعه فهو مخطئ..). أمريكا طوال الأربعة أشهر الماضية كانت تراوغ وتلف وتدور، وتنتقي الألفاظ بعناية فائقة عند شجبها انتهاكات النظام السوري (الوحشية) لحقوق الإنسان، وتتفادى أن تستخدم اللغة التي استخدمتها مع نظام حسني مبارك أو ابن علي أو القذافي. الإدارة الأمريكية تعتبر سوريا، ونظام الأسد، شأناً يمس الأمن الإسرائيلي؛ لذلك تخشى أن يؤدي سقوط النظام إلى خلط الأوراق على الحدود السورية الإسرائيلية، وتدخل المنطقة في صراع لا يمكن لأحد أن يتوقع كيف سيكون، ولا كيف سينتهي، وربما يضر بأمن إسرائيل. موقف أمريكا الجديد والمفاجئ يحتمل احتمالين: إما أنها رتبت وضع سوريا ما بعد الأسد، أو وجدت نفسها مرغمة على ركوب الثورة، طالما أن انتصارها أصبح أمراً محتوماً، فلم تجد بدّاً من الاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضه شباب سوريا بصدورهم العارية. الاقتصاد دخل بقوة ليقف في صف الثوار، ويُحاصر النظام، ويجعل خيارات الخروج من الأزمة بالنسبة للنظام السوري تبدو صعبة، إذا لم تكن مستحيلة. في صحيفة (نيويورك تايمز) كتب (انتوني شديد) مقالاً عن اقتصاد سوريا المتداعي بسبب الثورة، وعدم قدرة النظام على لجمها. المقال تحدّث عن ركود حركة السياحة بعدما توقف السياح عرباً وأجانب عن زيارة سوريا بسبب الأوضاع السياسية المضطربة، ما جعل موسم الصيف يبدو في منتهى السوء. كما جاء فيه أن العملة السورية تراجعت، وتراجعت معدلات الصادرات للأسباب ذاتها. وأضاف: أصبح جلياً بعد ثلاثة أشهر من الأزمة، أن نظام الأسد لم يستطع التحرك في أي من الاتجاهات الصحيحة؛ وتوقفت تماماً مشاريع الاستثمارات الخارجية، وبالذات العربية والتركية، لأجل غير مسمى؛ كما أن الاستثمارات الأوربية توقفت هي الأخرى بسبب العقوبات الاقتصادية الأوربية الأخيرة. وتشير تقارير أخرى إلى: (أن سعر صرف العملة السورية انخفض خلال الأربعة شهور الأخيرة بما يوازي 15%، ولولا تدخل الدولة الضخم لدعم سعر الليرة لانهارت. غير أن دعم الليرة كانت كلفته باهظة على الخزينة واحتياطاتها من العملات الصعبة، حيث اضطرت الحكومة إلى ضخ كميات كبيرة من العملات الصعبة في البنوك لتلبية (الطلب) عليها ما ألحق ضرراً كبيراً بهذه الاحتياطات؛ ورغم ذلك فإن سعر صرف الليرة في السوق السوداء أعلى بكثير من السعر الرسمي ويتجه إلى التصاعد مع مرور الوقت وتفاقم الأزمة). وهناك تقارير تواترت - أيضاً - تؤكد أن هناك هجرة رؤوس أموال كبيرة بالعملات الصعبة خرجت من سوريا في اتجاه لبنان ودبي تحديداً، ما يسهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية؛ كما أن بعض بنوك القطاع الخاص السورية التي أنشئت حديثاً يُقال إنها على شفا الإفلاس والانهيار. هذه المؤشرات تعني أن نظام الأسد لن يستطيع أن يقاوم أكثر، حتى على افتراض أن النظام الإيراني سيقف معه ويدعمه مالياً كما هو متوقع؛ فالاضطرابات تستنزف قواه، والاقتصاد المتردي ينهكه من الداخل، والموقف الدولي، وبالذات من أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، أخذ يُضيّق عليه الخناق شيئاً فشيئاً، والحلول الأمنية والقبضة الحديدية أثبتت فشلها؛ ومحاولات النظام إيجاد أرضية للحوار بينه وبين المعارضة فشلت فشلاً ذريعاً؛ لذلك فلا أرى ثمة أوراق بقيت في يد النظام إلا إشعال جبهة الجولان مع إسرائيل، وهذا حسب ظروف سوريا الحالية خيار شمشوني بلا شك. إلى اللقاء.