كاتب الرأي، وتحديداً أتحدث عن نفسي، لا يريد أن يكون عدواً لكل جهة يكتب عنها أو عدواً لأشخاص بذاتهم، وإنما هو مجتهد يطرح رأيه في ما يراه يستحق الطرح والنقاش. رغم ذلك فإنه مؤسف أن نجد البعض بدلاً من مناقشة الرأي أو الفكرة المطروحة يسعى إلى تحويل الأمر وكأنه شخصي، تصور فيه كتابة الرأي كمجرد وسيلة للانتقام أو الابتزاز يستغلها الكاتب. الأكثر إزعاجاً أن يصدر ذلك من قبل فئات من المسئولين أو المتعلمين يفترض أن يكونوا وصلوا مرحلة من النضج الثقافي والمعرفي تمكنهم من تقبل الآراء التي لا تتفق مع آرائهم بموضوعية وشفافية. البعض يعتقد أن استضافته للكاتب في مقر العمل يجب أن تكون مبرراً لأن يكتب عنه مديحاً وأن لا ينقد العمل الذي تقوم به مؤسسته، وهنا تأتي قضية أخرى تتعلق بالفصل بين الجوانب الشخصية وبين العمل، فنقد العمل أو طريقة الأداء في مؤسسة ما ليس بالضرورة تعني معاداة أصدقائنا بها. زيارتنا لبعض القطاعات لا تعني شراء ذممنا بقدر ما تعيننا على فهم أشمل للقضايا التي نطرحها. البعض يتهم الكاتب بأنه يرى الأمور من وجهة نظر واحدة. يكتب عن السلبيات ولا يكترث لذكر الإيجابيات. أعتقد أن إبراز الإيجابيات هو دور موظف العلاقات العامة ودور الدعاية والإعلان، بينما كاتب الرأي مهمته الأولى طرح رأي مختلف، وقد لا يكون المدخل لذلك الرأي سوى بنقد الوضع القائم. عندما أكتب من وجهة نظر طرف دون الآخر، فذلك الطرف يكون المستفيد أو المواطن بصفة عامة. على سبيل المثال عندما أنقد جهة تعليمية فأنا أنحاز للدفاع عن الطالب وعندما أنقد جهة صحية فأنا أنحاز لهموم وشكوى المرضى. لست أكتفي برأي أو شكوى طالب واحد وإنما أستمع إلى عدد من الطلاب حتى لا أجحف في اتهام جهة بالتقصير بسبب قضية فردية قد لا يجوز تعميمها. يدرك ذلك أولئك اللذين يبعثون لي شكاوى فردية وأرفض نشرها في زاويتي ما لم تتوفر لدي الأدلة بكونها قضية عامة تستحق الطرح. جميع الجهات تجتهد ولديها أعذارها الداخلية ومبرراتها، لكنني أراها مهمة المسئول التغلب على العقبات وتجاوز الصعوبات وليس مجرد ترديدها على مسامعنا، أو استخدامها شماعات تبرر القصور. البعض يتساءل متهماً لماذا لا تكتب عن جهات محددة؟ بالتأكيد لست أكتب عن جميع الجهات وأتجاهل بعضها عمداً. القضية هنا ليست انحيازًا أو خوفًا، بل لأنني أشعر بأن تعارض المصالح لن يجعلني موضوعياً في كتابتي عن جهة أعمل معها أو أتعاون معها. كما يجب علي الحرص على عدم الخوض في مجالات لا أملك التصور الكامل حولها. أشعر بثقة القارئ في ما أكتبه وبالتالي يكون الصمت أحياناً أفضل من الطرح غير الدقيق أو غير الموضوعي. البعض يتهمنا بالقسوة أحياناً، وربما بدا ذلك في نقدنا المباشر. نحن في وقت يتطلب الوضوح والمباشرة، ولست أراني مجبراً على كتابة قطعة أدبية أو معلقة مديح تسبق كل رأي أبديه. رأيي ليس الوحيد الذي يحمل الصحة ولست أجبر الآخرين على الاتفاق معي. على من يعتقد أنني أسأت لشخصه كفرد أو كمسؤل أن ينبهني إلى ذلك أو حتى يتقدم باحتجاج رسمي لدى الجهات المعنية. هذا حق مكفول للجميع، ولست أرضى لنفسي ولا ترضى الجريدة التي أكتب فيها أن نقذف الناس أو نسيئ لهم في شخوصهم. هذه بعض آرائي حول الكتابة، ولست أزعم أن جميع الكتاب لديهم نفس الفلسفة. مثل أية مهنة الكتابة فيها الملتزم بأخلاقياتها وأدبياتها وفيها المسيء للمهنة...