كثيرا ما تعيدني ذاكرتي إلى الوراء وتلك الأيام قبل أكثر من عقدين من الزمن.. لذلك المنزل (الطيني) المهيب الذي يقع غرب منزل والدي يحفظه الله.. في حي القادسية في المجمعة.. كان ذلك المنزل تقبع فيه أسرة ذات صبغة أخلاقية ودينية متزنة وهادئة الطباع.. تلك الأسرة من تربية الشيخ الوالد والإمام والجار العزيز أبو عبدالله عبدالعزيز بن إبراهيم الروساء يرحمه الله.. الذي شيعته المجمعة قبل أيام في جنازة كبيرة بحضور جمع كبير من الناس.. على مختلف الأعمار.. وهذه دلالة على محبة الشيخ يرحمه الله.. وبشرى خير بإذن الله.. وقد شرفت بحضور الصلاة والتشيع لمثواه.. في المجمعة.. العم عبدالعزيز كان بحق رجل دين متميز.. لا ينهر بعنف ولا بقسوة الصلفاء.. كان يأمرنا بالصلاة في وقتها.. كان رحمة نعم الجار والإمام لحينا الذي نسكنه في مسجد الشيخ أحمد الصالح.. فصوته حين القراءة له مذاق وحس جميل.. يدخل القلب كلما قرأ.. رحمه الله.. البيت الطيني هو مثار الإعجاب والتقدير لتلك الأسرة الكبيرة.. عرفت جنباته وأسطحة لعلاقتي بالأخ العزيز (محمد) الروساء الابن الرابع ذكورا.. كانت تعلو السطح حضيرة مخصصة للطيور الأليفه.. كنا نراقب طيرانها، ولم أذكر أن الشيخ أبو عبدالله قد نهرنا أو تضايق رحمه الله.. وهذه من سماحة خلقه وكريم طباعه.. حتى أن الوالدة أم عبدالله ابنة المؤذن الشيخ الهبدان كانت تفرح كثيرا متى ما اجتمعنا في بيتهم خوفا علينا من غدر الأيام.. أعود إلى شيخنا الإمام أبو عبدالله لأتذكر نجع خلقه ومسامح لفظه فهو الكريم والخلوق والصادق.. لا أذكر أن لسانه طال أحداً بسوء.. بل كان يتضايق إذا تطرق أحد عنده بسوء.. كريم إلى درجة الإلحاح.. أصيب الشيخ أبو عبدالله بالعمى البصري فزاده الأمر قوة وإيمانا ورجاحة في العقل.. لا أدري وتلك العصا التي كان يتكئ عليها كم هي شاهدة على حسن نواياه.. وكم هي شاهدة على الطاعة والحرص على أداء الفريضة يرحمه الله.. خرّج أبناء كرام.. لهم مكانة في مجتمع الفيحاء المدينة الحالمة.. عبدالله الابن الأكبر متمتع بالهدوء ولا يأتي منه شر أو سوء ويليه الرزين (إبراهيم) الصديق الوفي والمخلص والكريم فما إن يأتي رمضان إلا ويذكرنا بالموائد الرمضانية الجميلة لسجية كرمه.. يليهما عبدالرحمن العسكري في الدفاع المدني ثم الأخ العزيز محمد المكافح والموظف في بلدية المجمعة فكم هي الأيام عشناها على المحبة والتقدير والصدق رغم متاعب الأيام وجور الوقت؟ ثم يأتي الشيخ عثمان الزميل في المعهد العلمي طالبا.. فهو صاحب العمل الخيري في إدارة المستودع الخيري بالمجمعة، صاحب عمل بطولي وجبار لكل محتاج من أبناء المنطقة يعمل ليل نهار من أجل خدمة المجتمع في مثل هذا النمط الأخلاقي.. فقد كان طالبا متميزا في كل شيء صادقا وأمينا.. ثم يأتي الأخ خالد وفهد الضابط العسكري الخلوق.. هذه النخبة من الأبناء الكرام تفتخر محبرتي أن أكتب عنهم لجلالة قدرهم ومكانتهم الخاصة.. أعود إلى الوالد الشيخ الروساء.. الذي خدم في المحكمة الشرعية سنوات طوال لازم فيها الشخ محمد السبيعي نائب رئيس المحكمة الشرعية في المجمعة.. يذكره الشيخ السبيعي في كل مناسبة بكل الصفات الحميدة.. أبو عبدالله حينما نزوره في منزله الحالي يتقاطر من لسانه أجمل عبارات الترحيب يمازح ويؤنس الجلسة ويتفاعل مع الحكايات.. رجل عرفناه بكل الصفات الحميدة.. فعزائي لأبنائه البررة ولبناته وحرمه أم عبدالله الأم التي تشعر وأنت صغير بأنها أم لك.. لطيبة قلبها.. فكوني أم عبدالله صابرة محتسبة على فراق شريك حياتك.. أنت من أسرة لها مكانة في الدين والأخلاق.. لك الأجر والمثوبة بإذن الله.. والعزاء إلى بناتك وأزواج البنات وبخاصة الصديق العزيز عبدالعزيز الخيال الذي أعتز به فهو رجل من الأوفياء الأكارم تقبل الله خالك بواسع الرحمة أبو عبدالله.. فقد عرفتك وفيّا.. بقيمة أبيك رحمه الله.. هكذا يكون الوداع لرجل (عافّ وكافّ) نفسه عن كل رذيلة أو سوء.. لكم يا آل الروساء والهبدان والثميري أطيب المواساة وأجزل عبارات الدعاء لفقيدكم الغالي.. رحمك الله شيخنا الحبيب أباعبد الله.. وأسكنك فسيح جناته.. أحمد بن عبدالعزيز الركبان