تناقلت الصحافة خبر حكم ديوان المظالم ضد أمانة الطائف بتغريمها مائتي ألف ريال تسلم لوالد ضحيتي الصعق الكهربائي اللذين توفيا قبل سنتين بسبب تسرب كهربائي من عمود إنارة أدى إلى وفاة الطفلين وذلك بعد بلاغات عدة وصلت لعمليات الأمانة تفيد جميعها عن وجود تسرب كهربائي في عمود الإنارة استمر قرابة الثمانية أشهر قبل أن تقع الكارثة، وما أكثر قصص الإهمال القاتل عندنا. وفي ولاية ماساتشوست -عندما كنت أدرس هناك- تجاوز سناتور عجوز مخضرم من كبار الوطنيين المحاربين علامة قف فلم يقف عندها -لأنه كان تحت تأثير دواء أذهله عن رؤية الإشارة- فصدم سيارة أخرى فقتل إنسانا. فحوكم وصدر ضده حكم يلزمه بدفع ملايين الدولارات إلى أهل الضحية بجانب سجنه. ودخلت الولاية في جدل طويل هل يكون السجن مع وقف التنفيذ احتراما لشيبته وهو من أفنى عمره في الدفاع عن أمريكا في الحرب والسلم، والحوادث التي تنتهي بغرامات عظيمة وسجن أكثر من أن تحصى هناك. فروح الإنسان داخل ديارهم أغلى من أن تُترك لإهمال المهملين وعبث العابثين. والعقوبة يجب أن تُوجع ليرتدع الآخرين، وملايين الدولارات لوحدها لا تُوجع السناتور العجوز الثري، ولذا حكموا بسجنه. روى البخاري ومسلم عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهما كانا قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما. فقيل لهما: إنها من أهل الأرض - أي من أهل الذمة - فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام. فقيل له: إنها جنازة يهودي. فقال: « أو ليست نفسا». في حرب الثقافات بين الشرق والغرب نكذب عليهم فنظلمهم ونرميهم بالبهتان، وهم كذلك يكذبون علينا ويظلمونا ويرموننا بالبهتان. ولكن الفرق بيننا وبينهم أننا نُعنف ونغلظ على من يذكر محاسنهم لنظل على حالنا في نكران دائم فنحافظ على نفوذ بعضنا على بعض، بينما يحترمون هم رأي المخالف ويستمعون له فهم في تحسن أبدا لأنماط حياتهم بما يتناسب مع ثقافتهم. تناقلت أخبارنا بكثير من الاشمئزاز نبأ الأم الأمريكية التي أرادت بيع بكارة ابنتها ذات الثلاث عشر ربيعا لثري من الأثرياء، ففضح أمرها رفض ابنتها. نعم، ما أقبح ذلك وأقذره ولكن لم لا نتحدث بما يحدث في بلاد المسلمين من بيع العذارى والصغيرات شاءوا أم أبوا إلى كل من يدفع شيئا من فتات الدنيا تحت مسمى زواج بنية طلاق إذا كان محليا أو زواج السياحة ونحوه إذا كان دوليا، حيث يأتي الأب والأم (وليس الأم فقط) ليقدما «على الشريعة الإسلامية زعموا» ابنتهما لسائح مغوار لأيام أو أسابيع معدودة. الفرق بيننا وبينهم أنهم يعترفون بقبح العمل ويجرمونه بينما نحن نشرعه ونفتخر به. فإن كانوا هم لا يرون بأسا في الزنا والعياذ بالله باسم الصداقة فإن بعض هذه الزيجات التجارية المحلية والسياحية الإقليمية -وما أكثرها- أعظم من ذلك، فهي دورات تدريبية تأهيلية للصغيرات لدخول هذا النادي. والأمران قبيحان ولكن شتان بين تشريع نكاح الصديقة، وبين تشريع تأهيل بائعة هوى. سمعنا، ولكن بعد القبض عليها، عن الإندونيسية التي كانت تخطف الأطفال في مكة ثم تبيعهم. بينما هناك إذا خُطف طفل تسمع أمريكا كلها بولاياتها الخمسين عن الطفل المخطوف فتُستنفر لإنقاذه تحت نظام «تحذير أمبر». وهكذا فهم لا يخفون عيوبهم ومشاكلهم ويصدقون مع أنفسهم لكي يحلون مشاكلهم فتختفي، بينما نخفي نحن عيوبنا ونظهر عكسها، فما زالت عيوبنا ومشاكلنا في ازدياد واطراد. هناك في الغرب -تقريبا- لا يوجد شيء مسكوت عنه مما يساهم في حفظ حقوق الإنسانية واستخراج الحقوق وتحقيق العدالة وتحجيم الفساد. وأما عندنا فالمسكوت عنه في هذا كثير ولا يُفصح عنه. هناك تُعظم إنسانية الإنسان وعندنا تقدس خواطر البعض ومشاعره فلا يُنتقد. لذا فجرح خاطر هؤلاء البعض بكلمة قد لا تعجبه هي أغلى عندنا من أرواح خمسة ذكور (فدية الذكر المقتول إهمالا 100 ألف) أو فلنقل عشر إناث (فالإناث عندنا هم نصف أهل النار) أو خليط من ثلاثة ذكور وأربع إناث -وهذه سبعة كاملة، والسبع عدد مبارك. وما لي ومال أمانة الطائف فهي لا تحكي إلا ثقافة هذا المجتمع، فتهمل فتقتل الأطفال فيعوض أبيهما بدل الابنين، وانيتين، هايلكس وداتسون، فما أعظم مصيبة الرجل وما أعظم مصيبة المجتمع. وأما أنا فقد ينكسر خاطر الأمين بمقالي هذا، فيتأوله فيتحصل على 500 ألف ريال تفوت علي في هذا الصيف الاستمتاع على الطريقة الإسلامية بعشرات الزيجات المؤقتة من الصغيرات سياحيا أو محليا، فالحمد الله رب العالمين على كل حال.