من قرأ قوله -تعالى-: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} (سورة الروم، الآية: 44)، وتأملها ووقف عندها كثيراً علم يقيناً فضل العمل الصالح وقيمته وقدره عند الله -تعالى-، والعمل الصالح شامل لأعمال القلوب وأعمال الجوارح، والدين كله عمل صالح وتوحيد خالص، وهو ما أمر الله -تعالى- به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى والحق، وقد تكرر في القرآن العظيم ذكر العمل الصالح عشرات المرات حثاً وتأكيداً عليه وترغيباً فيه وبياناً ما لصاحبه من الأجر والثواب. ولا يسمى عملاً صالحاً إلا بالإيمان فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح أحياه الله حياة طيبة لأن الإيمان والعمل الصالح مقترنان في الذكر في أكثر آيات القرآن الكريم، ومن جاهد نفسه بالعمل الصالح، فقد مَهّد لنفسه الطريق الموصل إلى الله ورضوانه، فقوله -تعالى-: (يَمْهَدُونَ) من المهد وهو: المكان الموطأ، وأصل المهد (التوثير) الذي هو: الفراش الوطيء اللين، يقال مَهّد لنفسه أي جعل لها مكاناً وطيئاً سهلاً ليناً. فمعنى (يَمْهَدُونَ) أي يوطئون ويهيئون لأنفسهم ويعمرون آخرتهم ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها، وهو كناية عن الاستعداد ليوم اللقاء، فإذا رُدوا إلى الله استبشروا خيراً بما عملوا لأنفسهم من أعمال صالحة، فالذي يعمل العمل الصالح إنما يمهد لنفسه ويُهيئ لها أسباب السعادة والراحة، وهو يجد اللذة والسعادة في نفس العمل الصالح الذي يعمله بل وفي اللحظة التي يؤدي فيها العمل الصالح فكيف بما بعده؟ وعلى المسلم أن يتحرى عمل العمل الصالح في كل حياته يمتثل بذلك أمر الله، وعليه كذلك أن يتحرى في فعله وتركه أمر الله ونهيه حتى يكون عمله عملاً صالحاً طيباً، والمتحري للحق والخير جدير بالتوفيق إليه وكثرت إصابته وحصول الخير في العاجل والآجل. ومن استقام على العمل الصالح في حياته أمِن عند الموت، وخفت عنه سكراته فإذا ما حلّ الأجل وبلغت الروح الحلقوم في هذه الشدة وفي هذا الهول وفي هذه اللحظة الرهيبة تنزل الملائكة مبشرين له عند الاحتضار بعدم الخوف على ما يَستقبل من أمره، وعدم الحزن على ما مضى، قال -جل ذكره-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (سورة فصلت، الآية: 30)، فنفى عنهم كل مكروه في الماضي والمستقبل، هذه ثمرة العمل الصالح ونتيجة التمهيد للنفس في الدنيا. وينبغي أن يُعلم أن العمل الصالح هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون للعبد بد قدر وقيمة عند ربه إذا تحقق فيه الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وقام بأمر الله فيه {وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة، الآية: 62)، وبدونه لا يكون له وزن عند خالقه وفقنا الله لكل خير وهدانا سواء السبيل. * وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية