لم يكد يجف حبر المقالة السابقة في هذه الزاوية التي كانت بعنوان: «هروب العمالة لا بصمة تنفع ولا شكوى تفيد « حتى ظهر موضوع وقصة لا تقل طرافة وغرابة عما ذكرت من القصص التي سمعتها وقرأتها في روايات هروب العمالة، ولن أطيل على القراء باستعراض ولو رسالة واحدة من هموم القراء الذين أمطروني بوابل من الرسائل الإلكترونية عن قصص هروب العمالة والخدم ولو فهرستها فقط ووضع لها اسم رواية «هروب» لنافست فيها «عبده خال» ورفاقه في جائزة البوكر العربية للرواية لأن فيها «إثارة» وهذا شرط من شروط الفوز بالجائزة فيما أظن. أيها الأحبة في هذه القصة هروب السائق معي وليس مع غيري، ثم إنها بطريقة رسمية وتحت رعاية وعناية إدارة الجوازات «حرسها الله» فقد أبلغت بموعد وصول السائق «دلدارخان» وأعددنا العدة لاستقباله بدءاً بمندوب انتظر قدومه منذ الساعة العاشرة والنصف والرحلة تأتي في الحادية عشرة صباحاً وحتى الساعة الثانية ظهراً وحتى فرغت الصالة من المسافرين، وهو في انتظار، ثم سأل المندوب الذي كلف بطلب إحضار السائق موظف الجوازات، وأخبروه بأنه تم التأشير بالدخول للسائق في تمام الثانية عشرة وسبع وأربعين دقيقة، وقالوا: ابحث عنه في مواقف المطار ولربما سحبه أحد سائقي الأجرة جرياً على عادتهم الكريمة في استضافة الخدم والاتصال بالكفلاء وعرض خدماتهم بإيصالهم بأجرة خاصة!! لعبت الهواجيس والظنون لعبتها وقبل هذا الحقيقة والأمر الواقع في اختفاء السائق وقلت ربما «هرّبه» بعض أصحابه والتقطوه واختطفوه في المطار ليعمل معهم وإنني كنت قنطرة فقط لوصوله إلى بلادنا حتى يصل إلى ميدان العمل!! لم أندب حظي بل حمدت الله وحوقلت، وراجعت، وسألت الله أن يكون في ذلك قاسمة خير، ولكن لا بد من اتخاذ الخطوات الرسمية لإخلاء المسؤولية فأشار علي أحد الإخوة بالدخول على موقع الجوازات، وبالفعل دخلت على موقع الجوازات، وإذا به يفيد بأن السائق دخل في اليوم والوقت المحدد إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض!! لم أدر أرقام الهاتف كعادة السابقين مع أجهزة الهواتف القديمة ذات القرص الدائري التي تتطلب الدوران بالرقم، بل باشرت الاتصال برقم المكتب في الهند، وقد حفظته عن ظهر غيب من كثرة الاتصال به مسبقاً وتأكيداته أن السائق سوف يأتي في الموعد المحدد وأبلغته بالقصة أنكم أرسلتم سائقين يخططون للهرب من بلدانهم، وليس كما هو في السابق الهروب بعد مدة من العمل مع الكفيل فلم ينكر المكتب وينفي أو يؤكد ذلك، بل طلب مهلة من الوقت للبحث بطريقته ووعد خيراً ولربما إنه اعتاد على مثل هذا الشيء، فكان يتحدث ببرود عجيب في حين أنني كنت غاضباً من الموقف وعن المسؤولية التي قد تترتب علي فيما لو وقع لهذا العامل مكروه في بلادنا فأنا أول الملزمين بإيصاله إلى أهله سالماً أو على «تابوت» يلزم الكفيل بسداد قيمته، على غير المعتاد هذه المرة جاءني وبعد ساعات قليلة هاتف من مكتب الهند مع ضحكات عميقة من صاحب المكتب يفيد بأن السائق في الهند «وبين أهله وذويه» فحمدت الله، وسررت مع التعجب والسؤال بأن إفادة الجوازات أنه دخل إلى المملكة. فقال لي صاحب المكتب بالهند: لا عليك «أنا فيه برهان» بمعنى أن معه دليل وقال: أرسل إليَّ الإيميل لأرسل لك صورة جوازه وما يؤكد كلامك أيضاً بأنه دخل إلى المملكة وقلت له: كيف ذلك؟!! فقال بعد نفس عميق وكأنه يريد أن يقول كلاماً طويلاً: نعم لقد حضر السائق وسافر إلى المملكة ووضع ختم الدخول ثم أعيد على نفس الطائرة التي أحضرته دونما شطب على ختم الدخول ودونما تعديل البيانات والسبب كما يظن الرجل أن هناك سابقة إما هروب أو مسألة جنائية تمنعه من الدخول مرة أخرى، وبين مصدق ومكذب قلت في نفسي: أيعقل أن يدخل السائق ويختم له دخول ثم يخرج مرة أخرى دونما تأشيرة خروج أو يشار في جوازه إلى هذا الأمر؟ أنهيت المكالمة على وعد الاتصال به من قبلي. اتصلت على أحد الإخوة المسؤولين في الجوازات، وأعلم بأنه مشغول في عمله وأنا مشغول الذهن بهذه المشكلة التي تشبه «الأفلام الهندية» بالفعل ورويت له القصة فقال: «كل شيء جائز» فأخبرته بأنَّ أمامي رقم جواز ورقم دخول وصورة ختم فنحن أمام حقيقة فقال لي: نعم كل ما ذكرته صحيح، وسوف أختصر عليك المسافة والوقت هناك من يتم منحهم ختم الدخول ولا يتم إلغاؤه ويعادون على نفس الطائرة، قلت: وماذا عن التأكيد بدخوله دونما إشعار الكفيل؟ أو مندوبه؟! وأنه تم إعادته؟! هنا لم أجد إجابة شافية وقلت أيضاً: موقع الجوازات الإلكتروني يفيد بدخوله ولا يفيد بخروجه، قال: نعم وربما بعد عشرة أيام سوف تجد التعديل على الموقع!! وقلت: إنني أعرفك واتصلت بك وهنا من ليس له حول ولا قوة في الجوازات فماذا يمكن أن يفعل طيلة هذه المدة والإجابة الرسمية الأولى تقول بأنه داخل المملكة؟! وخشية أن يكون المقال أشبه بالمسلسلات المكسيكية المطولة وهو «فيلم هندي حقيقي» مليء بالدراما المضحكة والمحزنة، فالسائق في الهند والموقع الرسمي للجوازات وإجابة موظف الجوازات تقول بأنه في الرياض، وهذه قصة حقيقية وليست فيلماً من نسج الخيال أو لغزاً تعجيزيّاً والخاتمة أن سائقي في الهند ورسمياً هو في الرياض وما بين «حانا ومانا ضاعت لحانا»!! في الأخير جاء تأكيد المكتب بأنه سيتم تصحيح الوضع لوجود مخالفات سابقة على السائق وريثما يتم تصحيح الوضع في الجوازات رسمياً فإني بانتظار الحصول على حقي بالتعويض أو التسويف والمماطلة من المكاتب في الداخل والخارج كالمعتاد «والله يعوض علينا». وأسئلتي يا أحبة يا كرام في المديرية العامة للجوازات وقد دشنتم مؤخراً التقنية الحديثة ما يلي: 1) ألا يمكن ربط التأشيرة ببصمة في بعض السفارات وخاصة من يُرد ومنهم العمالة وتوفير الوقت والجهد والمال بحيث من عليه ملحوظات سابقة يبقى في بلاده ويبلغ بأنه تم منعه من الدخول؟ 2) هناك خدمة جديدة من الجوازات تفيد أصحاب الجوازات بقرب انتهاء جوازاتهم وبرسالة هاتفية إلكترونية فلماذا لا يتم إشعار من يأتي عامل أو سائق برسالة نصية تفيد بأن مكفوله وصل لأن هناك سائقين أو عمالة يصلون للمطار ويختطفون من هناك والكفلاء لا يعلمون إلا بعد مدة؟! 3) لماذا لا يتم وضع كافة التفاصيل للكفيل عن مكفوليه ومعلوماتهم بمجرد إدخاله لرقم الإقامة أو السجل المدني وتحديث البيانات أولاً بأول، وبرقم سري يمنح لصاحب العمل. ختاماً أعتذر عن الإطالة وكان الله في العون بانتظار «البديل» وكان الله في العون على كمية الرسائل التي سوف تصل تعقيباً على هذا الموضوع كما جاءت الرسالة الإلكترونية السابقة، وإنني أعلم علم اليقين أن هذه القصة تعد يسيرة أمام مشاكل أخرى لأناس لم يجدوا لها حلاً حتى الآن!! والله المستعان.