في رحيل النابهين، وغياب الباذلين، تنطق الكلمات، وتتابع العبارات، فلا تجد لها بد من الخروج من مكنونها إلى الفضاء الرحب الواسع، لتصبح درة مؤثرة في نفوس القراء، وفي انتقال العضو المؤثر في المجتمع من دار إلى دار، تذكرة لأولي الأبصار، وإعانة لشحذ الهمم لمعالي القمم، وإدراك أن الوقت المبارك يمنح لمن ألزم نفسه بجدولة أعماله لنيل آماله، وأن في التسويف والتأجيل طريق يسلكه العاجزون، أو لمن لهواهم متبعون. وفي ارتحال الأديب الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس ذكرى بأن الرجال المؤثرون الذين ساهموا في النهوض الثقافي، وخلفوا التراث الأدبي، وورثوا كتباً في التاريخ المحلي، وحلقوا في فضاء الجو الإعلامي، فإنهم لا يموتون لما ورثوه من علم، وهم وإن ماتوا بأجسادهم، ووريت جثامينهم التراب، ووسدوا اللبنات في اللحود، فإن ذكرهم بين الناس - خصوصاً المتخصصين - فيما ورثوه من علم يكون مستمراً، والشيخ الأديب المؤرخ عبدالله بن خميس رائد من رواد الأدب، وعميد من أعمدة التاريخ المحلي، ومؤسس لمؤسسة صحفية تسابق مثيلاتها في الواقع الإعلامي، تتلمذ على عدد من العلماء من أبرزهم: الشيخ عبدالله الخليفي، والشيخ مناع القطان، والشيخ الشعراوي - رحمهم الله - وأفاد منهم ومن غيرهم، كما كان يحرص على الالتقاء بالمفكرين والمثقفين، وأدرك كثيراً من الأدباء والشعراء وزار بعضاً منهم، وقد روى لي والدي أن الشيخ عبدالله بن خميس كان يزور الجد الشاعر سليمان بن مشاري ابن علي (راعي الداخلة) باستمرار ويحرص على تقييد ما منه أفاد - فرحمه الله عليهم جميعاً - كما إن ابن خميس خدم الموروث الشعري بشقيه الفصيح والعامي، ونظم بكليهما، في تعدد يفيد الموسوعية الثقافية لديه، والتي لم تأت إلا بالجد والاجتهاد، وكثرة القراءة وطول البحث، والغوص في بطون الكتب، مع استصحاب التفكير الواعي، وملازمة الصبر والمصابرة، وتقييد للفوائد لقطف الثمار اليانعة، فأعمل قلمه وأجراه، ولما كتب أمضاه، ففي الصحف والمجلات سال حبر قلمه مشاركاً في التثقيف، في مقالات عديدة سطرها، وبدواته وقلمه حبرها، وفي مجال التأليف أثرى المكتبة العربية بكتب كثيرة، أفادت في مجالها الطالبين، وأشبعت نهم الباحثين، وأضحت مرجعا يرجع إليها، فما ورثه لنا دليل صدق ما قلناه، وإليك ما عملته منها: تاريخ اليمامة، راشد الخلاوي، الدرعية، المجاز بين اليمامة والحجاز، معجم جبال الجزيرة، معجم أودية الجزيرة، معجم رمال الجزيرة، على ربى اليمامة، من القائل؟، معجم اليمامة، وغيرها من الكتب والمؤلفات، ولا شك أن بفقده فقد الأدباء والمؤرخون علماً من أبرز الأعلام في الأدب والتاريخ والثقافة الموسوعية، وأبقى فراغاً فيهم لا يسده غيره. وفي الختام نقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء لأجل مسمى، وأحسن الله عزاء أهل بيته من أبناء وبنات وذرية وأحسن الله عزاء جيرانه وأصحابه ومحبيه، وأسأل الله أن يغفر لفقيد الأدب والتارخ وأن يسكنه الفردوس الأعلى في الجنة وأن يخلفه في أهله خيراً. * خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)