في آخر حوار أجرته الجزيرة مع العلامة الراحل ومؤسس جريدة الجزيرة الشيح عبدالله بن خميس - رحمه الله - ونشر في جزئين في يوم 15 يناير 2008م ، و 22 يناير 2008م، القى الشيخ الراحل الضوء على العديد من المحطات في مسيرة حياته، متحدثاً عن بداياته الأولى كاشفاً حينها للزميل محمد الفيصل الذي أجرى الحوار معه عن أهم هذه المحطات التي أسهمت فيما بعد في تكوين شخصية الراحل الإنسانية والأدبية. وندعكم مع الجزء الأول من هذا الحوار: من قلب نجد ومن عروق اليمامة الصافية، من بلدة الدعوة والجهاد والتوحيد، منبع التجديد والولاء والطاعة.. في عام 1339ه ومن (الملقى) بالدرعية كانت ولادته... ليسجل التاريخ بكل مكوناته ودلالاته (الحضارية) ظهور هذا العلم والعالم الجليل الذي صان على مدى هذه العقود الطويلة الصحبة الصادقة الصالحة فربا عاشقاً ومحباً ووفياً للتاريخ ولهذه الأرض الطاهرة... على ظهور الإبل أمضى الليالي الطوال.. مترنماً بهدوء هذه الفيافي (القاحلة) لا يؤنسه سوى وقع أخفافها على هذه الأرض التي عشقها وعشق تاريخها الحافل بكل سجلات العطاء العلمي والثقافي الثر. الشاعر والأديب والمؤرخ والمفكر والمحقق والإداري الفذ... الذي قاده نجاحه الفكري والثقافي (الأصيل) إلى إصدار أروع المؤلفات لتسرد لنا بذلك الأسلوب الرشيق العذب أحداث تلك الحكاية (الغرامية) بين هذا الرجل الوفي وبين جزيرة العرب بكل مكوناتها... تاريخ اليمامة، معجم جبال الجزيرة، معجم اليمامة، الدرعية، المجاز بين اليمامة والحجاز، الأدب الشعبي في جزيرة العرب، رمال الجزيرة، فواتح الجزيرة، على ربى اليمامة... كانت ثمرة هذه الصداقة بين العاشقين اللذين لا يزال كلٌ منهما يشهد للآخر.. كيف لا وكل بقعة في أرض الجزيرة تعرفك وتشكرك. لا تزال تلك البصمات التي تركها الشيخ عبدالله بن خميس واضحة المعالم وناصعة البياض عندما وصل إلى أرض الأحساء فسعى إلى استئجار دار للمعهد العلمي وتأثيثه وشراء جميع ما يلزمه من أمور فبدأ بتسجيل الطلاب كما سعى إلى تأسيس النادي الأدبي هناك... لقد فَطِنَ الشيخ محمد بن إبراهيم إلى الحاجة الماسة لتأسيس معهد علمي بالأحساء وعرف بأن عبدالله بن خميس هو الرجل المناسب لهذه المهمة.. فمعهد الأحساء العلمي الذي لا يزال يرفع لواء العلم ويخرج الأجيال المتعلمة يذكرك ويشكرك. أعوام مرت وانقضت ملأها الشيخ عبدالله بن خميس بالعلم والأدب والثقافة التي لا يزال يرفع شعلتها (المضيئة) عالياً، إيماناً صادقاً لا يخالجه شك منه بأن هذا هو السبيل الأمثل لرفعة هذا الوطن ورقيه. في عام 1404ه كان التكريم والاستحقاق فمنح جائزة الدولة التقديرية في الأدب، عرفاناً ووفاءً لجهوده في ميدان الثقافة والعلم. في ذلك اليوم الماطر الجميل استقبلنا الشيخ عبدالله بن خميس بمنزله مرحباً ومهللاً ففتح لنا بيته وقلبه وتاريخه، في حوار شامل يرسم لنا من خلاله رحلته ومسيرته الثقافية والأدبية.. فإلى نص الحوار: - حدثنا عن بداياتكم الأولى منذ التحاقكم بالكتاتيب في سن السابعة حتى حصولكم على شهادتي الشريعة واللغة العربية؟ وعن أبرز شيوخكم الذين تأثرتم بهم في مرحلة الطلب؟ - معلمي الأول هو الوالد - رحمه الله - الذي كان معروفاً بعلمه وفضله بين أهالي الدرعية، وقرأت عنه بعض كتب ابن تيمية، وابن القيم، وصحيح البخاري، وكان يأخذني معه إلى مجالس الجيران في مزارع الدرعية من (آل عواد وآل ناصر)، ونقرأ في تلك الكتب بعد مغرب كل يوم. ودخلت كتاتيب الدرعية عندما بلغت السابعة، فتلقيت مبادئ القراءة والكتابة والقرآن والتفسير، على يد الشيخ عبدالرحمن بن محمد الحصان، وكان رجلاً حافظاً للقرآن وإماماً لمسجد ظهرة سمحان بالدرعية. وكان لي وقتها شغف وافر بالمعرفة والاطلاع فكنت أتردد على الرياض، وأتصل ببعض أعيانها، وأقبل على التراث العربي قراءة ودرساً، وأحضر بعضاً من حلقات الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -. معلمي الأول هو الوالد وشغفي بالعلم والمعرفة جعلني أتردد على الرياض. المرحلة الثانية: تلى تلك المرحلة حينما ذهبت إلى حائل، فقد جرت العادة أن يكتب من حملة سلاح الدولة سنوياً من الدرعية ومن الخرج ومن ضرما والرياض ومنفوحة عشرة أشخاص من كل بلدة في عهد المغفور له الملك عبدالعزيز، هؤلاء يذهبون مرابطين في حائل باسم الرتب، وقد كتب من حملة السلاح من أهل الدرعية عشرة أشخاص، وكان من بينهم (ناصر بن عبدالله بن نصار) الذي حالت ظروفه دون ذهابه إلى حائل، ولا بد أن يستأجر من يذهب بدلاً عنه، فاتفقت معه على أن أنوب عنه، ولما جاءت السيارات التي تحمل المجموعات إلى حائل، لفت نظر هذه الحملة صغر سني، فما كان من بعض الحاضرين إلا أن شفعوا لي أن أبقى فوافق قائد الحملة، وذهبت إلى حائل وكان ذهابي سبباً في استزادتي من التعليم في القراءة والكتابة والحساب، حيث التحقت بمدرسة (سليمان السكيت)، طيلة مقامي بحائل، ولعل صاحب هذه المدرسة - رحمه الله - رأى مني شيئا من النجابة والتفوق فعطف عليّ ولاحظني، وكانت هذه الخطوة في التعليم سبباً بطمعي بما هو أعلى وأغلى، وكانت أيامي التي قضيتها في حائل قد أعطتني دروساً وتجارب مع الرفقة الذين عشت معهم. على ظهور الأبل بعدها التحقت بجهاز تحصيل الزكوات بسبب ماحصلت عليه من معلومات حسابية، هذه المهنة التي جعلتني أتجول في الصحراء باكراً، فتوسعت دائرة معلوماتي الجغرافية، وساعدني ذلك التجوال لاحقاً في تأليف الكثير من الكتب في هذا المجال، مثل: (معجم جبال الجزيرة، ومعجم اليمامة، ومعجم رمال الجزيرة). وكنا على ظهور الإبل نقضي الليالي في الانتقال من ماء إلى ماء آخر نجمع الزكاة ممن يردون الماء، وأذكر من رفقتي في جهاز الزكاة إبراهيم السالم، وعبدالعزيز الشقري، وعبدالله السرحان، وعبدالعزيز بن مبارك، وسعود السياري. وقد تشرفت أيضاً وقتها بمرافقة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في بعض رحلاته (للتنهاة، وخريم، والخفس والبجادية)، وكان لي في تلك الرحلات فوائد كثيرة وثقافة وذكريات. ولم ألتحق بالدراسة النظامية في دار التوحيد بالطائف عام 1364ه، حيث كنت على صلة بالأخ الصديق فهد المبارك الذي أخبرني عن مدرسة دار التوحيد، وأشار عليّ بالالتحاق بها، فذهبت إلى الوالد للاستشارة ولكن لم يشر عليّ بالذهاب نظراً لدراستي بعيداً عن أهلي وبلدتي الدرعية، ولكنني أقنعته وألححت بالطلب فاقتنع، وتوكلت على الله، فسافرت إلى الطائف للالتحاق بها، ولكنني وجدتها مغلقة بمناسبة موسم الحج، وبعض أساتذتها في مكة، فقصدت مكة والتقيت رئيسها الشيخ العالم الدمشقي بهجت البيطار، فسألني عن تحصيلي فأخبرته، فقال إن الدار لا تقبل إلا حملة الشهادة الابتدائية، فحاولت معه وقلت إنني جئت راغباً ومقبلاً على الدراسة، بخلاف هؤلاء الذين تأخذونهم من القصيم وشقراء والمجمعة بالقوة فلم أفلح في إقناعه، وبعد تفكير ذهبت إلى الشيخ عبدالله الخليفي وعرضت عليه الموضوع، وطلبت منه التوسط لدى الرئيس، فقال: سوف أفعل، فذهبت معه إليه، وأشار عليه أن لا يردني أنا وأمثالي فسوف يجد منا ما تقر به عينه، وسوف نكون واجهة طيبة لطلاب هذا الدار، ولم يزل به حتى قبل على مضض، فأعطاني ورقة لنائبه في الطائف، الشيخ نسيب المجذوب تأمره بقبولي، ومن ثم التحقت بالدار، واضطروا لفتح قسم أسموه بالتمهيدي يهيئ لأخذ الشهادة الابتدائية، فالتحقت بهذا القسم وعينت بالسنة السادسة، وحينما اختبرت أمام لجنة شهادة الابتدائية حصلت على الترتيب الأول على المملكة، ولم أزل أترقى في الدار حتى حظيت بثقة الجميع، ومن أبرز أساتذتي في تلك المرحلة الشيخ عبدالله الخليفي، والشيخ بهجت البيطار. **** سيرة ذاتية - عبدالله بن محمد بن راشد بن خميس - ولد بالملقى بمدينة الدرعية عام 1339ه - تلقى تعليمه الأولي في الدرعية بالكتاتيب على بعض المشايخ، ثم التحق عام 1364ه 1927م بدار التوحيد بالطائف وحصل على الشهادتين الابتدائية والثانوية منها، ثم التحق بكليتي الشريعة واللغة العربية بمكةالمكرمة ونال شهادتيهما. - عين مديراً لمعهد الأحساء العلمي، وفي عام 1375ه - 1955م عين مديراً لكليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض، وفي عام 1376ه - 1956م عين مديراً عاماً لرئاسة القضاء بالمملكة، ثم صدر المرسوم الملكي القاضي بتعيينه وكيلاً لوزارة المواصلات، ثم رئيساً لمصلحة المياه، ثم تفرغ للبحث والتأليف عام 1392ه - 1972م. - في عام 1379ه -1960م، قام بتأسيس مجلة (الجزيرة) الشهرية التي تصدر حالياً كجريدة يومية من خلال مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وهو عضو مجلس إدارتها، كما أنه صاحب مطابع الفرزدق بالرياض. - شاعر، وكاتب، ودارس، ومحقق، وأديب. - عضو في هيئة تحرير المجلة العربية. - عضو في هيئة تحرير مجلة الدارة. - عضو بالمجلس الأعلى للإعلام. - عضو المجمع العلمي العراقي ببغداد. - عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة. - نائب رئيس اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي شعب فلسطين. - نال جائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1404ه / 1984م. - نال تكريم قادة مجلس التعاون الخليجي في قمتهم العاشرة بمسقط في شهر جمادى الأولى 1410ه - 1984م. مؤلفاته : - المجاز بين اليمامة والحجاز - وهذا الكتاب يبين الطرق التاريخية والآثار الجغرافية والأدبية.. إذ نهج مؤلفه نهجاً طريفاً في تحقيق المواقع والآبار والمنازل ومواطن القبائل في الجزيرة العربية من خلال الشعر العربي القديم والحديث، ومن خلال الشعر الشعبي فجاء تحفة جامعة لمعلومات مثيرة ومفيدة وشاملة. - الشوارد - وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الأبيات التي يستشهد بها في المناسبات ويتمثل وتجري على الألسن مما كان يحفظه المؤلف أو يتصيده ثم زاد عليه ما اختاره من مظانه ورتبها حسب قوافيها على حروف الهجاء، وذيل معروف الشاعر منها باسم الشاعر وإلا وضع ثلاث نقاط علامة للقارئ أن المؤلف يجهل القائل . - بلادنا والزيت - الكتاب بأقلام نخبة من رجال الفكر جمعها الأستاذ ابن خميس فيه. - راشد الخلاوي - تضمن الكتاب دراسة وافية عن الشاعر بالإضافة إلى ترجمته وتدوين شعر ه. - شهر في دمشق - وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الخواطر والذكريات جمعها فيه. - معجم اليمامة - وهو الجزء الخاص باليمامة من معجم البلاد السعودية. - الأدب الشعبي في جزيرة العرب ، ويرى من خلاله المؤلف بأن الشعر الشعبي امتداد للشعر الفصيح.. والمؤلف يعتبر رائد في بابه ومنهجه: تعريفاً وتاريخاً وشرحاً وتحليلاً ومقارنة بشعر اللهجات العربية الأخرى المجاورة.. كما قارن بين الشعر الشعبي والفصيح وبين الكثير من نقاط الالتقاء بينهما. - على رُبى اليمامة - وهو ديوان شعر أصداء من الجزيرة العربية. - من جهاد القلم في النقد - وقد جمع فيه المؤلف حصيلة ما كتبه في النقد سواء ما كتبه في النقد، ناقداً أو معقباً به على نقد موجه إليه منقوداً، ومعظم مادة الكتاب تخص ما كتب عن تاريخ المملكة أو جغرافيتها أو أدبها أو لغتها، والبعض يرجع إلى أكثر من ربع قرن. - أهازيج الحرب وشعر العرضة - جمع فيه المؤلف الشعر الخاص بالعرضة وهي أول إنذار للحرب والتجمع لها، والعرضة من الفنون الجميلة التي تحتفظ بها الأمة في السلم للسلوى والذكرى وفي الحرب للنذر والاستعداد. - الدرعية العاصمة الأولى - وفي هذا الكتاب ألقى المؤلف نظرة على اليمامة قبل العهد السعودي، وأوضح بروز الدرعية خلال القرن التاسع الهجري وتكلم عن اليمامة في العهد الإسلامي، كما قدم لنفوذ آل سعود بالدرعية، بالإضافة إلى سرد أخبار الدرعية العلمية قبل الدعوة السلفية، كما تحدث عن العقيدة السلفية. - تاريخ اليمامة - وتحدث المؤلف عن ديارها وما لها من أخبار وآثار. - من القائل - وهو عبارة عن موضوعات أدبية وأبيات شعرية تقدم في صورة أسئلة إلى المؤلف وقد أجاب عليها في الإذاعة ثم جمعها في هذا الكتاب لتكون الديمومة والحفظ لما فيها من فائدة أدبية وتاريخية. - الشوارد - الجزء الثاني سجل خلاله المؤلف أروع ما حفظ وما أثر من أبيات الشعر العربي في الحكمة واللفتات البارعة على مر العصور. - معجم جبال الجزيرة - وهو عبارة عن معجم رائد في جبال الجزيرة العربية، فهو أشبه بالموسوعة الجغرافية لجبال الجزيرة، بالإضافة إلى المادة الأدبية والشعرية التي اعتاد المؤلف على توظيفها لتأكيد الحقائق الجغرافية والتاريخية. - نتائج حرب حزيران. - من أحاديث السمر. - فواتح الجزيرة. - محاضرات وبحوث.