نشرت جريدة الجزيرة بالأمس خبرًا عن تلميذ ابتدائي تعرَّض إلى حرمانه من الاستمتاع بوقت الفسحة، وهي الوقت الوحيد الذي يشعر فيه التلاميذ بالحرية في مدارسنا التي لا تختلف كثيرًا عن قلاع السجون المهجورة!. وكأنما لا يكفي التلميذ الصغير رعبًا أن يكون داخل أسوار عالية، حتى يتم سجنه داخل فصل، وتفرض عليه إقامة جبرية، ورقابة من زملائه التلاميذ!. وكما أذكر قبل عقدين من الزمن، حينما نجوت من وظيفة تعليمية، بسبب أن الشروط لم تكن تنطبق عليَّ، حيث دراستي الجامعية ليست تربوية، بينما تمنح الوزارة حامل المؤهل التربوي المستوى الوظيفي اللائق، بينما من لا يحمله، عليه أن يرضى بالعمل في مستويات دون ما يحظى به التربويون، وهو ما لم أرضَ به آنذاك، وقد كنت أرفع حاجبيَّ إعجابًا، وأفكِّر بأن الوزارة تهتم بالتربية أكثر من التعليم، وهو أمر يستحق الإعجاب، لكننا اكتشفنا أن الوزارة «ما طالت لا بلح التربية ولا عنب التعليم»! كم ناشدنا مرارًا بأن المراحل المبكرة للطفولة هي الأخطر في بناء الإنسان، فهي إما أن تجعله حرًّا في كلامه وتصرفاته، ممتلئًا بالثقة والاعتزاز بالذات، رائعًا حينما يتحدَّث ويناقش، أو أن تجعله مكسورًا مهزومًا، يرتبك حينما يتحدث، لا يثق بنفسه وبقدراته، يخشى الفشل دائمًا، وكنت أقول دائمًا أن أولادنا وبناتنا هم لنا قبل السادسة، نحن نربيهم بوعينا وطريقتنا، لكنهم بعد ذلك هم أبناء هؤلاء الذين يقضون معهم نصف يومهم، فإما أن نكونوا محظوظين بأن يكون هؤلاء ممن يملكون وعيًا تربويًا متطورًا، وإخلاصًا يجعلهم يؤمنون بأن هؤلاء في رقابهم، فإما يخرجون مميزين ومنجزين للوطن، أو أدوات هدم الوطن وتدميره!. ولعل بيئتنا المختلفة، التي تجعل الطفل يقفز فجأة من بيت حميم وأليف، يرى فيه أمه وأخته وعمته وخالته، إلى مدرسة للرجال فقط، هو ما يخلق لديه حالة قلق وخوف، فما بالك حينما يكون هؤلاء الرجال ممن يحملون العصي والألواح والمساطر الطويلة، ولهم وجوه مكفهرة، لا تجد فيه الألفة والطيبة أحيانًا، فهل سنجد هذا الطفل يعيش كالأسوياء؟. علينا أن نقتنع بأن المرأة، مهما كانت، أفضل لتعليم الطفل في المراحل المبكرة من الابتدائي، وهي القادرة على فهم الصغير، لأن مشاعر الأمومة فيَّاضة وتشعر الطفل بالأمان، فكيف إذا كانت تحمل مؤهلاً تربويًا، حتمًا ستكون مؤهلة تمامًا لهذه المهمة الجسيمة. أتمنى من الوزارة أن تغيِّر مفهومين مؤرقين، الأول أن من لا يحمل مؤهلاً مناسبًا، يمكن أن نرمي به في التعليم الابتدائي، لأن المسألة لا تحتاج إلى شيء يذكر، فتعليم الحروف والأرقام أمر سهل! ولكن تربية هؤلاء أمر في غاية التعقيد، لذلك قد يكون من يحمل مؤهلاً دراسياً عالياً، هو الأنسب لتربية الأطفال وتعليمهم. تقول لي طفلتي ذات زمن، بعد شهر من التحاقها بإحدى مدارس بريطانيا: بابا متى ندرس؟. كانت تعتقد أن الدراسة لم تبدأ بعد، لأن التعليم هناك يعتمد على الترفيه، التعليم بالمتعة والتسلية هو ما يضمن سهولة وصول المعلومة، لا أن يكتب المدرس بغضب على كراسة الطفل: ضعيف جداً جداً جداً. كما فعل مدرس الابتدائي بمركز سدوس!