لم يكن ظهر تلك الجمعة عادياً، ولم تكن تلك اللحظات التي ظهر فيها حبيب الشعب، وملك الإنسانية لحظات طبيعية، فقد رسم الملك القائد مشهداً سعودياً يستحق التحلق حوله، لتكون الصورة، تعبيراً عفوياً وصادقاً دخل به عبد الله بن عبد العزيز قلوب مواطنيه. وعندما أعرب في خطابه للشعب عن فخره بشعبه، وقال: إنه صمام الأمان، الذي صدع الباطل بالحق، والخيانة بالولاء، فإنما كان يسجل شهادة القائد للمواطن قبل التاريخ، ليؤكد في النهاية أن هذا المواطن في القلب، ويستمد منه العون والعزم، بعد الله سبحانه وتعالى، ليس هذا فقط، بل جاءت حزمة القرارات التالية، لتكون مخزونا إستراتيجياً إضافياً، يتشعب في معالجاته، ليخدم الشريحة العظمى من المواطنين، من صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة، إلى صرف مكافأة مُماثلة لطلاب التعليم العالي، إلى اعتماد 2000 ريال إعانة للباحثين عن العمل، إلى محاولة ضمان المسكن اللائق ببناء نصف مليون وحدة سكنية بالمناطق، ورفع قيمة الحد الأعلى للقروض إلى 500 ألف ريال، إلى باقة خدمات لا مثيل لها، في الصحة والقطاعات العسكرية، والمساجد والجوامع، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، وغيرها. في كلمة خادم الحرمين الشريفين تأكيد على وفاء المواطن، وتوضيح لتكامل مؤسسات المجتمع في حماية الوطن من فتنة الفوضى، سواء رجال الأمن، أو العلماء، أو الإعلام، والكتَّاب، وكل مواطن سعودي رجالاً ونساءً، لقد كشفت تلك الكلمة عن أن العلاقة بين الملك وشعبه ما هي إلا علاقة الأسرة الواحدة، وأن الوطن وحمايته مسؤولية الجميع. لقد تلا تلك الكلمة مجموعة من الأوامر الملكية التي يُمكن قراءتها وفق منظور علمي، حيث إنه في عُرف التنمية يؤكد المتخصصون أن عمليات التنمية تَحتاج دائما لِما يعرف بالدفعة القوية، التي تُحرك المجتمع من حالة الركود، إلى درجة عالية من الحراك، نَحو واقع أفضل للمجتمع والأفراد، في كل القطاعات. مليكي وسيدي: نَحن لم ننسك من قبل من الدعاء، كي تطلب منا أن لا ننساك من الدعاء، نَحن أيها الأب الكبير أرق من إصرارك الأبوي أن تبكي عيون الملايين بِمثل هذا الطلب العفوي التلقائي، نَحن الذين عبرنا إليك وإلى إخوانك يوم جمعة الولاء، ويوم استفتينا إليك حباً، نَحن معك، وأنت معنا، مثلما كنا نشكر كل من افتعل أزمة مزعومة كاذبة لنختبر فيها هذا الصدق الجارف فيما بيننا وبينك، يا خادم الحرمين، نَحن من نصلِّي الجمعة، ثم ندعو لك ولياً لما فينا من أمر، ثم نذهب بعدها إليك لنستمع إليك، نَحن لم ننسك من الدعاء، وأنت لم تنسنا من الأبوة. لقد كان المشهد في تلك الجمعة تاريخياً، استهله الملك بكلمة، هي وثيقة حب ووفاء، يَجب أن تكون مستنداً وطنياً؛ لأنها نابعة من قلب يعرف السعوديين جميعاً، أنهم ساكنوه، وأنهم الهاجس الذي يملأ مساحاته الغامرة، وأنهم مُقدَّمون عند الملك على راحته؛ إذ نعرف جميعاً أن الملك عبد الله لم يوفر وقتاً خلال فترة نقاهته من أجل الاهتمام بالمواطنين، وتنمية البلد، وأنه كان خلال تلك الفترة منشغلاً بذلك أكثر من التزامه بِمتطلبات النقاهة، واشتراطات الراحة الطبية؛ لأنه دوما يَحملهم في قلبه -أمده الله بالصحة والسلامة-. لقد كانت القرارات الملكية في جانبٍ منها شكراً للشعب الوفي، إلا أن ملمحها الأساس هو أنها رسمت خريطة تنموية متماسكة تجعل تنمية الإنسان مدار حركتها، وتستهدف أن يغدو السعوديون الأكثر امتلاكاً للمساكن، والأعلى تعليماً، والأقل بطالة، والأوفر حظاً في الرعاية الصحية، وهي طموحات تعتبر منتهى التنمية في أي بلد، إلا أن ما يعيقها هو عدم القدرة أو نقص الإمكانية أو غياب الرؤية، وهي عوامل قضى عليها الملك كلياً، عندما رسم الخارطة كاملة، دون أن يغادر أي تفصيل مهما صغر، فإذا ما ربطنا هذا بِما يتحقق حالياً من منجزات تنموية تعليماً وصحة وتربية، اكتملت الصورة النهائية للمرحلة، التي تغذت بالحيوية، وتَجددت بالولاء والوفاء، وتعاضدت على السير في طريق نهايته علو السعودية، ورفعتها، ومتانتها، وقوة لحمتها فلا يَملك الآخرون سوى التقاصر دونها، ومُحاولة معرفة أسباب صلابتها ومتانتها، ومكامن فرادتها، ومنبع حيويتها. المحاضر بقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي بكلية اللغة العربية