لم أكن أريد في زاويتي التعقيب على بعض الأمور التي تمارس فيها بعض الجهات تعطيل مصالح الناس وحقوقهم، ولكن الأمر حين يتحول إلى سخرية لا تعادلها سخرية في الدنيا، يجب عليَّ، وعلى غيري من الكتَّاب الصحفيين، أن نخصِّص هذه المساحة الممنوحة لأصواتنا، لهذه القضايا. من الطبيعي ألا يتمنى أحد أن يكون عاطلاً، ولا تتمنى أسرة أن يكون بين جدرانها عاطل واحد، ولكن أن يعمل أحدنا كما لو كان عاطلاً، فهو أمر محبط، وهذا ما يحدث لموظفات التعليم الموازي، أي المسائي، في المعهد العالي التقني للبنات بالرياض، اللاتي يعملن في ظروف عمل مهينة جداً، فلم تكتفِ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بعقود ما أنزل الله بها من سلطان، تلك العقود التي تمنحهن عشرين ريالاً عن الساعة، أي ما يقارب 120 ريالاً عن ست ساعات يوميًا، ولثلاثة أيام فقط أسبوعيًا، أي مبلغ قدره 360 ريالاً أسبوعيًا، بمعنى أنهن من المفروض أن يستلمن شهريًا مبلغ 1440 ريالاً، ومع ذلك لا يستلمن هذا المبلغ الضئيل جدًا، الذي لا يختلف عن إعانة البطالة، وحين أقول لا يستلمن، فإن المؤسسة الموقرة لا تدفع لهن إلا كل فصل دراسي، أي كل ثلاثة أشهر، ومع ذلك يكدن ينهين الفصل الثاني دون أن يستلمن أجور الفصل السابق، فهل هذا المبلغ المتواضع يؤثر على ميزانية المؤسسة؟ هل ما يقارب أربعة آلاف ريال تحصل عليها الموظفة عن كل فصل دراسي أمر يربك ميزانية المؤسسة؟ ولو افترضنا أن من يعملن على هذا البند، الذي لا اسم له، عشر موظفات، أي أن ما سيدفع لهن مقداره أربعون ألف ريال فقط لا غير، هل يؤذي ميزانية مؤسسة عامة من مؤسسات الدولة؟ أكاد أجزم أن تأثيث مكتب موظف في مرتبة عليا، أو إقامة حفل صغير بمناسبة أو بغير مناسبة، سيفوق هذا الرقم كثيرًا..! لا أعرف من أناشد هنا؟ هل أناشد محافظ المؤسسة الدكتور علي الغفيص؟ أم أناشد نائب المحافظ للتدريب المهني والتقني لتدريب البنات الدكتورة منيرة العلولا؟ أم أناشد الضمير الحيّ لكل إنسان شريف، يؤمن بقيمة الإنسان وحقّه في العيش الكريم؟ كي يطالب بدفع حقوق هؤلاء الموظفات المحرومات من حقوقهن، فلم يكتفِ النظام الذي تكرَّم ووظفهن، بمرتباتهن المتدنّية، إذ يحصلن على 20 ريالاً عن الساعة، وهو المبلغ الذي تحصل عليه المستخدمة، التي لا تحمل أي مؤهل، رغم أن هؤلاء الموظفات في التعليم الموازي يحملن الشهادة الثانوية على الأقل، أقول لم تكتفِ هذه العقود المجحفة، بل أيضًا حرمتهن من أن يستلمن مرتباتهن شهريًا، بل حتى استلامهن مرتباتهن كل فصل دراسي أصبح أمرًا مشكوكًا فيه! أعتقد أن الدكتورة العلولا، وهي ممن يُشهد لها بمنجزها التربوي، وشعورها الوطني، تستطيع أن تزور مبنى المعهد العالي التقني للبنات، وهو يقع على بعد أمتار قليلة من مكتبها، وتقابل الموظفات والطالبات في التعليم الموازي، وتتعرَّف على معاناتهن الإنسانية، وتمييز موظفات التعليم الأساسي الصباحي عنهن، رغم أنهن يؤدين المهام ذاتها! لا أعتقد أن لقاءً مدته عشر دقائق، تنفقها النائبة، لمعرفة أوضاع هؤلاء، سيأخذ من وقتها الثمين، بل إنها ستؤدي دورها، وستؤصل وطنيتها المعهودة.