فنجان قهوةٍ تعلو أطرافه خطوط من الذهب، بخار يتصاعد يدمج بين الأبيض والأسود. يشق طريقه متصاعداً نحو العلا..، كانت جالسه تعلو شفتيها حبات اللؤلؤ الثمين عندما تتسلل إلى ذاكرتها صور من الماضي.. ذكرى أحدثت فرقاً، أنجبت حزناً، و لربما قدراً جديداً.. وقفت أنظر إليها.. أحاول قراءة عينيها السوداويتين تململت كثيراً ضممت شفتي.. شددت يديّ إلى صدري.. ارتفع حاجبي معلناً قدوم فضولي فيماذا تفكر يا ترى؟ طال وقوفي.. وتساؤلاتي اللامنتهية. مشيت نحوها مطأطأة رأسي.. أحمرت وجنتاي خجلاً.. هل أسأل عن سر ابتسامتها.. لا لن أسأل.. لعلي أسأل في وقت لاحق.. استجمعت قواي ملأت صدري بالهواء وزفرته وتقدمت لها.. تمتمت قائلة: خالتي هل أنتِ على أرض الواقع.. التفتت نحوي وتفحصتني وابتسمت.. همست لي: - وهل لي بغيره؟ - إن كنت لا تمانعين لدي فضول مضنٍ.. تدفقت الكلمات مسرعة إلى فمي وكأنها ستضيع لو انتظرت قليلاً: - ما سر بريق عينيك اليوم..؟ أضحيت أرقب رد فعلها.. فإذا بها تقلب عينيها في المكان ظهرت على وجهها معالم الحزن وردت علي قائلة: - سر بريق عيني هو شوقي والتياعي. - اووه هنالك قصة إذاً..! - بالطبع هنالك قصة. قلت بلهفة: - هل لي بمعرفتها.. ؟ أبحرت وابتعدت عن ضفاف واقعها لمعت عيناها.. بريق ثغرها اتضح لملمت شتاتها.. ونطقت بحروف قصتها: «في غرفه الضيوف.. كان يشخر نائما قدم في الأرض وقدم فوق السرير، سروال أبيض أطرافه بالية اكتسبت لوناً مغايراً.. اقتربت من باب الغرفة ووضعت أذني على الباب.. أصخيت لصوت مزامير أنفه.. لله دره كيف كنت أعشقه..؟ وأعشق نغمات أنفه الموسيقية.. وكأنها باب صدئ جار به الزمن طويلاً يجرجره طفل في إحدى ضواحي قرية مهجورة.. وكأنني قلب ذلك الطفل.. مستمتع بجمال ما يصدر من الأصوات.. سمعت صراخ والدي.. كان غاضباً جداً.. يزمجر كأسد لم يعجبه عرينه. تسارعت خطواتي فدقات قلبي.. سيقتلني لو رآني.. سيعذبني ويجعل عيشي مراً طول حياتي ترقرقت دمعاتي وتخاطفت يداي على خدي لأكفكفها.. أغلقت باب الغرفة. تركت لدموعي حرية النزول « هل رآني يا ترى.. لا أظن ذلك فقد كان يزمجر بعيداً» لا بالتأكيد رآني.. ارتفع صوت زمجرته أيقنت بأنه اقترب مني انهال على بابي بيديه القاسيتين، خفق قلبي حبست أنفاسي جرى نهر نيل من مقلتي.. بت أتراجف خلّلت أصابعي بين خصلات شعري وشددته إلى الخلف كالمجنونة، مشيت إلى الباب معلنةً ساعة موتي.. صوت صرير الباب يواسيني.. وقبل أن يتسلل ضوء فتحات بيت طيني قديم.. صرخ بي قائلاً: - ألم أقل أنك ستنسين قهوتي، احضريها إلى مجلسي الآن. ضاقت عيناي فرحاً.. حررت أنفاسي.. رددت بصوت مرتفع: - حاضر يا أبي. وركضت إلى قهوته كسجين أطلقوا سراحه في مرج أخضر.. ثم آآآآه.. فقط هكذا.. - فقط.. !! وماذا عن صاحب السروال البالي؟ هههههه - أعجبني لقبه هذا.. لكن «كتب الدمع بخدي عهده للهوى و الشوق يملي ماكتب» هي هكذا أرزاق ونصيب وأقدار.. تعايشي مع الأمور فحسب.. إن كنت تملكين القوة.. فعاكسي التيار واجلبي ما تريدين.. لا تجلبي أي شيء.. اجلبي قدرك فحسب.. واحذري سرقة ما ليس لك.. فالويل للسارق.