بعد كل الذي جرى وسيجري في المنطقة العربية يقفز سؤال يحتل كل العقول العربية وهو الدرس الذي يمكن تعلمه من الأحداث التي شهدتها الكثير من الدول العربية. والواقع أن الدروس كثيرة ولا يمكن الإحاطة بها في زاوية صغيرة، إلا أن المهم والأهم أن تعي الأنظمة والحكومات أن الشعوب حتى وإن استكانت فإنها لا بد وأن تهب وتثور لاستعادة حقوقها التي غيبها بعض الحكام، ولهذا فإن الدرس الأول الذي يجب أن يتعلم منه الحكام هو أن يتقوا الله في شعوبها، فيعود الحاكم إلى ربه مستغفراً وأن يكون رحيماً بشعبه، وأن يكون عادلاً في حكمه مساوياً في تعامله مع رعيته، وأن يكون منصفاً فلا يترك الأغلبية في عوز وفقر، ومجاعة أو ممن يطبّلون له يرفلون بخيرات البلد. نريد من الحكومات يقظة دائمة وليس صحوة مؤقتة كالتي نراها في كثير من الدول، فالشعوب تحصن أنظمتها وحكومتها إن هي وجدت مصلحة في بقائها، ولا مصلحة للشعوب سوى أن تعيش بكرامة وعدل ومساواة.أما الشعوب فإن الدرس الذي تعلمته، هو أن الحق لا يضيع إن كان وراءه مطالب، ولكن المطالبات يجب أن تكون عادلة، ومنطقية ومثلما نطالب الأنظمة والحكام أن يكونوا عادلين ومنصفين فإن الشعب مطالب بأكثر من ذلك. الشعب هو الوعاء الذي يخرج منه الحكام، فليس مقبولاً من شعب ما أن يتبنى مخططات وأجندات من خارج الحدود لمجرد أن من يطلقها ويوجهها له امتدادات عرقية أو طائفية، إذ لا يمكن أن يكون للشعب مرجعية توجهه سوى من داخل وطنه، لأن ذلك يخدم المصلحة العامة، ولا يخدم ولا يعمل من كانت أجنداته ذات طابع عنصري أو طائفي، فالوطن لأبناء الوطن من حقهم أن ينعموا بخيراته والأمن والاستقرار أولى هذه النعم. أما أهم ما يمكن تعلمه مما حدث في المنطقة العربية بعد ثورات الشباب فهو الحضور القوي والمؤثر لصوت الرأي العام العربي الذي أصبح مهماً ومهماً جداً في المعادلة السياسية العربية، فلم يعُد ممكن لأمريكا بل لكل الدول الأوروبية وغيرها التفاهم وعقد الاتفاقات مع الحكام دون أن يكون للشعب رأيٌ، فقد أصبح الآن لدى الحاكم والنظام العربي سلاح قوي يرفض بموجبه أي إملاءات من الخارج وأن يؤكد بأن هذا لن يرضي الشعب، وأنه لم يعد ممكناً بعد الآن فرض سياسات وإملاءات من خارج الوطن على شعب المنطقة الذي لن يقبل معاملة الدول العربية كما كان يحصل في السابق، معاملة دنيوية بحجة عدم وجود ديمقراطية. أما الآن فالصوت العربي حاضر ويرفض ما يتخذ ضد مصالحه من إجراءات وانحيازات ممقوتة، فمع العدل الاجتماعي الذي يسعى الشباب لانتزاعه يعاد صياغة الموقف العربي بالتشبث بالكرامة العربية التي أريقت وأهدرت سنين طويلة. [email protected]