لم أصدق هذا الخبر الذي نشرته إحدى الصحف، وشعرت بأن نشره جاء من قبيل التسلية، أو أن المصدر أو المسؤول الذي لم يذكر اسمه أحب أن يسلّي القارئ في صباح جديد، فوزارة التربية والتعليم - يا سادة يا كرام- قرَّرت أن تطارد مؤلفات سيد قطب وحسن البنا في مكتبات المدارس، وجميع الكتب التي تحوي تحريضًا وفكرًا مخالفًا... انتهى!. لماذا شعرت بأن هذا الخبر أو التحرّك من قبل وزارة التربية والتعليم كان مضحكًا ومسلّيًا؟ لثلاثة أسباب، فأن يأتي ذلك بعد نصف قرن من ترويج أفكار متطرفة وغرسها في أذهان المراهقين، إلى حد أن تسلل بعضها إلى مقررات الدراسة، خاصة في مرحلة الثمانينيات، هو أمر متأخر جدا، ولا طائل منه، خاصة إذا لم تكن هناك بدائل لهذه المؤلفات في مكتبات أكل الزمن عليها وعاث بها. السبب الآخر هو اعتقاد هؤلاء بأن هذه المكتبات العظيمة مؤثرة في مسيرة الطلبة، حتى في زمن قديم، فهي مكتبات راكدة مملة ولا فائدة منها لدى معظم الدارسين، فلا أعرف أي مكتبات يتحدثون عنها، أو أي مكتبات تتحدث عن نفسها، وتذكرت المثل الحجازي «مين شافك يا للي تغمز في الظلماء؟»، فلن يجدي التهديد بعمل جولات لمراقبة محتويات المكتبات المدرسية، وسحب الكتب التي تحرّض على التكفير وكره الآخر، لأن المشكلة كما ذكرتها في كتابات سابقة، في المعلم نفسه، لا في المقررات والمناهج ولا في المكتبات المدرسية «المغلوبة على أمرها!». السبب الثالث والأخير، وهو الأهم في نظري، وسأطرحه في صيغة تساؤل، هل يعتقد هؤلاء الذين سيرسلون حملات التفتيش، أن المعلومة محتكرة في مكتبة المدرسة، كما لو كنا في السبعينيات والثمانينيات الميلادية؟ وهل لو لم يجد الطالب ما يريد من الكتب في مكتبة المدرسة سيصرف النظر عن الأمر؟ أم أن وضع اسم «سيد قطب» أو «حسن البنا» في محرّك البحث «جوجل» سيظهر لنا مئات الآلاف من الروابط لهؤلاء، بل ستظهر جميع كتبهم ومؤلفاتهم المحجوبة والممنوعة والمطاردة، وكل هؤلاء التلاميذ والتلميذات، يفتحون هذه المواقع بأجهزة جديدة لم يعرف عنها هذا «المصدر المسؤول» شيئًا، من الآي فون، إلى الآي بود، والآي باد، وجميع منتجات «أبل» الخفيفة والثقيلة، بل أن أصغر هذه الأجهزة أصبح الآن أهم من مكتباتكم المدرسية، وأكثر سعة منها، ولا يمتلئ بالغبار والأتربة، فهل ثمّة جدوى الآن، وفي الألفية الثالثة، وفي عصر الاتصالات والإنترنت المخيف، أن تطارد كتب هؤلاء كي لا تؤثر على النشء؟. كنا ننتظر أن تدخل وزارة التربية والتعليم في عصر التعليم الإلكتروني، واستخدام الإنترنت والكمبيوتر في الصفوف المدرسية، مثلما فعلت معظم الدول المجاورة، ووجدناها تنفض غبار مكتبات مدرسية لا قيمة لها الآن، وربما تحويلها إلى غرف تتيح مصادر المعلومات الحديثة، وتجعلها مكتبات إلكترونية حيَّة وحقيقية، أو معامل لتعليم اللغات، أهم بكثير من إرسال الوفود الرقابية، من أجل تفتيشها بحثًا عن كتاب يحرّض على التطرف والتكفير، خاصة أن التحريض الحقيقي أصبح الآن يدخل من بوابة الإنترنت، لا من الكتب الورقية التقليدية، بأوراقها الصفراء المغبرة!.