عَدّدَ التربويون المعاصرون أسباباً عدة لهذا الضعف في المخرجات والذي لا يمكن لأي غيور على بلده وأمته تجاهله أو التقليل من شأنه أو على الأقل المشاركة على قدر المستطاع في علاجه، وذكر المختصون أسبابا عدة تحتاج إلى بسط وبيان، ومن أهمها على سبيل المثال لا الحصر ضعف المدّرس أحياناً، عدم استعداد البعض للحصة أو المحاضرة قبل المثول أمام الطلبة، عدم الولاء للمهنة والحب لها وحب الأجواء التعليمية والتربوية والخلوص للعلم والتفرغ الكامل للطلب أولاً ثم للتدريس ثانياً، ومنها وهو الأهم والأعم وقاصمة الظهر أحياناً أنه أدخل على هذه المهنة العظيمة الشريفة، غير أهلها والمنتمين إليها والذين أعدوا أنفسهم مسبقاً نفسياً وتربوياً وعلمياً لهذه المهنة الكريمة فتجد أحياناً قيادات يقال إنها تربوية وهي بعيدة كل البعد عن هذا المجال، ونحن نعرف ونردد المثل القائل (فاقد الشيء لا يعطيه) وما أكثر من ينطبق عليهم هذا المثل الرائع في دنيا الناس ممن يهرف بما لا يعرف فيوقع نفسه وغيره والأمة معه في أخطاء جسام ينعكس أثرها على الأمة حاضراً ومستقبلاً، إننا نخطئ كثيراً حينما نطلب من شخص غير مؤهل وغير معد وغير مستعد أحياناً أن يبدع وينتج ويخطط ويبرمج ويأتي بما لم تستطعه الأوائل وهو خاوي الوفاض جاهل تماماً بحرفته ومهنته ووظيفته والأسوأ من ذلك والأردأ عندما يرأس هذا الرجل الفارغ الفاقد لأبسط مقومات وظيفته رجالاً تربويين مهرة أعدوا جيداً لهذه المهنة العالية، إننا حينئذ نردد مع الشاعر العربي قوله: أعمى يقود بصيراً لا أبالكموا قد ظل من كانت العميان تهديه إنه بهذا يتكلف غير طبعه وعلمه وخلق نفسه على حد قول الشاعر ويبتدع خلقا سوى خلق نفسه يدعه وترجعه إليه الرواجع أو قول الآخر وأسرع مفعول فعلت تغيراً تكلف شيء من طباعك ضده وما أحسن قول القائل في هذا الصدد من لم يُسَسْ فيطير في خيشومه رهج الخميس فلن يقود خميسا وما على التربوي المدقق والموثق الذي تضيع جهوده وقدراته ومعارفه ومهارته وعلمه في مثل هذا الأجواء إلا أن يردد مع الشاعر قوله: وما أنا إلا المسك في أرض غيركم أضوع وأما عندكم فأضيع أو قول الآخر وأجاد غزلت لهم غزلاً رقيقاً فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي وهنا سؤال يكثر إيراده/ هل رجل التربية والتعليم مطبوع أو مصنوع؟ والجواب على ذلك كما كما قال رجال التربية والتعليم إن رجل التربية والتعليم كغيره من أصحاب الحرف والمهن الأخرى لا بد أن يتوافر فيه شرطان مهمان أولهما فطري والثاني مكتسب، فالعنصر الفطري هو استعداده لهذه المهنة ووجود مقوماتها وأسسها لديه واستعداده المسبق لها ويميل إليها ويحبها يواليها كثيراً، وهو ما نسميه تربوياً الولاء للمهنة وقد يختلف هذا الاستعداد والولاء من شخص لآخر والعنصر المكتسب هو إعداده وتمرينه لهذه المهنة وكلاهما هام وكبير، إن الإعداد الجيد والانتماء الجيد أيضاً لهذه المهنة يبصر كثيراً بها ويزيل بإذن الله الكثير من العوائق في طريق جودتها وما لم يكن عند التربوي ميل قوي وطبيعي وموهبة جيدة فلن يكون تربوياً صحيحاً. إن واجب التربويين كبير وإن إعدادهم المسبق وتهيئتهم الفطرية لهذه المهنة أمر في غاية الأهمية، إذا كنا نريد تربية مفيدة ونافعة ونؤسس في بلادنا قاعدة تربوية صلبة ويظهر لنا جلياً خطر هذه المهنة وأعظم الخطر إذا أدخل على هذه المهنة العظيمة من لا يعرف أصولها ولم يعد مسبقاً لها وهنا يكون الخلط والخبط والتغيير والتبديل وإصدار الأوامر والنواهي بدون مستند تربوي. إنها وبحق تتطلب خصائص تربوية وعلمية ونفسية ومميزات عقلية ودراسات ميدانية وصفات خلقية وخلقية وطاقات فكرية ومالية وجسمية، إن أي أمة تكون فيها كفة التربويين راجحة فإنها ستهدي إلى الحق والصدق والتربية الصحيحة وسيبدع التربويون في مجالهم إبداعاً فائقاً، وإذا كنا نقول إن التربية والتعليم في أساسها صناعة فلا بد والحالة هذه من صانع ماهر وهذا أمر يتفق عليه جميع العقلاء وإذا كنا اتفقنا على أن العلم والتعليم والتربية بوجه عام صناعة ومهنة ولكل صناعة ومهنة مقتدر وخبير ومختص وبدونه لا صناعة ولا مهنة وكل صناعة يعرض لها ما يعرض لغيرها من الصناعات من رقي ونهوض أو سقوط وهبوط وانحدار حسب فهم وعلم وقدرة القائمين عليها مما يجعلها تنهض وتزدهر أو تتعرض للخمول والكسل والكساد، إن وجود التربويين المتخصصين وتوافرهم في أي بلد سبب رئيس وعامل هام من عوامل نهضة التعليم من ناحية وصناعة التعليم من ناحية أخرى بمعنى إسناد أي فن إلى رجاله المتخصصين وفيه كان العرب قديماً يقولون (وصدقوا) العلم لا يؤخذ إلا من أفواه الرجال) ويعنون بذلك التخصصين والمدققين والمتهيئين له، والتربية الصحيحة والتخطيط لها لا يؤخذ من الأوراق ولا من وراء أبواب مغلقة وعقول فارغة وخبرات خفيفة ودراسات بعيدة وغير متخصصة هذا ولقد قيل (صنعة بدون أستاذ يدركها الفساد) وهذا قول رأيناه بأم أعيننا كما رآه غيرنا سابقا ولاحقاً من الحياة المشاهدة ومن الواقع المعاش فهل إلى تربية سليمة وبأيد فاحصة ومدركة ومتخصصة من سبيل يا ليت قومي يعلمون. جامعة القصيم