أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله وابتغاء الوسيلة إليه ومراقبته، لأن السعيد من اتقى الله وأقبل على مولاه فأكرمه ونعمه واجتباه. وقال الدكتور خياط في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام: أيها المسلمون، إن من أجل نعم الله التي أسبغها على عباده بعد نعمة الهداية إلى دين الله الإسلام، ما هيأ لهم سبحانه من أولئك الناصحين الصادقين من إخوانهم في الدين، الذين يسدون إليهم أعظم الجميل حين يذكرونهم بالله فيحسنون التذكير، وحين يبصرونهم بخفي عيوبهم فيحكمون التبصير، وحين يقفونهم على مواطن العلل وأسباب الآفات وبواعث الهلكات فيبلغون من ذلك أوفر حظ من التوفيق، مشيرا إلى أن معنى النصيحة حيازة الحظ من الخير للمنصوح من كل خير عاجل أو آجل، وأن أصل النصح الصفاء والخلوص، فإن قبول النصح والاحتفاء بالتذكير سجية جميلة، ومنقبة جليلة، وخلق كريم، يتبين به كمال عقل، ونبل نفس، وسلامة سريرة، وصفاء طوية. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إن النقص محيط بالبشر، ملازم لهم، لا ينفك عنهم، ولا يتم تدارك ذلك إلا بفضل الله وبرحمته ثم بنصح صادق تحسن به العقبى وتكون به إلى الله الزلفى، ولذا فقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عظم مقام النصح في دين الله، وعن شرف منزلته، في حديث عظيم هو من جوامع كلمه، فقال -صلى الله عليه وسلم- (الدين النصيحة.. الدين النصيحة.. الدين النصيحة.. قالوا لمن يا رسول الله، قال لله عز وجل، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم). وشرح فضيلته معنى النصيحة لله بأن تكون بتوحيده سبحانه في ربوبيته وأولوهيته وأسمائه وصفاته، وبالإيمان أنه سبحانه الخالق الرازق المحي المميت، الذي يربي الخلائق بنعمته، فلا قيام لها بغيره، وأنه على كل شيء قدير، وأن كل شيء إليه فقير، وبالإيمان أنه المستحق لصرف جميع أنواع العبادة له وحده سبحانه دون سواه، إذ لا معبود بحق إلا الله، وبالإيمان بما وصف به نفسه، وما وصفه به نبيه -صلى الله عليه وسلم-، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وأنه لا ند ولا سمي ولا شبيه له، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وبالخضوع له ظاهراً وباطناً، وبتقديم حقه سبحانه، وبالرغبة في محبته بفعل ما يرضيه، والرهبة من سخطه بترك معاصيه، وبالاجتهاد في رد العصاة إليه. وبين الدكتور أسامة بن عبدالله خياط أن النصيحة لكتابه فتكون بتعلمه، وتعليمه، والعمل به، وبما أنزل الله فيه، وبإقامة حروفه، وحفظ حدوده، وذب تحريف الغالين عنه، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وأما النصيحة لرسوله فتكون بمحبته، وطاعته، ونصرته، وإتباع هديه، وإحياء سنته، تعلماً وتعليماً وعملاً، وبالاقتداء به في أقواله وأفعاله، وتقديم هديه على قول غيره كائناً من كان، ونبذ الابتداع في دينه، وأما النصيحة لأئمة المسلمين فتكون بإعانتهم على ما حمّلوا القيام به، وبتنبيههم عند الغفلة، وسد خلّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن جملة أئمة المسلمين، الأئمة المجتهدون، ونصحهم، ببث علومهم، وإشاعة مناقبهم، وتحسين الظن بهم، وأما النصيحة لعامة المسلمين فتكون بالشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وبتعليمهم ما ينفعهم، وكف الأذى عنهم، وأن يحب الناصح لهم ما يحبه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إن مما يدل على عظم مقام النصح في الدين ولزومه وتأكده وضرورة إشاعته بين أبناء المجتمع المسلم أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يشرطه على من يبايعه على الإسلام، وأكد أن النصيحة لن تكون بالغة مبلغها في التأثير، إلا حين يكون الناصح صادقاً مخلصاً لله في نصحه، عظيم الشفقة على خلقه، مريداً لهم الخير بتجنيبهم أسباب الهلكة، دالاً لهم على سبل النجاة، حكيماً عليماً بأولويات الأمور، فلا يقدم ما حقه التأخير، ولا يؤخر ما حقه التقديم، قادراً على الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، والعاجل والآجل، لا سيما في النوازل، وحين يتعلق الأمر بقضايا الأمة الكبرى، وما تعم به البلوى، وتعظم آثاره، وتتسع أبعاده، وأن يأخذ نفسه بالرفق في نصحه، وفي شأنه كله، لأن الرفق كما قال نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، وبذلك يكون للنصح طريقه إلى النفوس، وسلطانه على القلوب، وتبرأ به ذمة الناصح، وتقوم به الحجة على المنصوح.