من الذي يعمل في الإدارة الحكومية أو الخاصة في العالم ولا ينحاز إلى اللامركزية في اتخاذ القرار؟ فاللامركزية في فن الإدارة لها إيجابيات كبيرة وفوائد هائلة، لأنها أولى الخطوات الحاسمة في قطع دابر البيروقراطية، ولكن هناك فرق بين اللامركزية وبين الفوضى، خاصة إذا كنَّا ندرك أن كثيراً ممن يتولى إدارة المدارس هم ممن يعتبرون هذه المدارس مقاطعات مسجَّلة بأسمائهم، فماذا سيكون عليه الأمر ونحن نمنحهم «الجمل بما حمل»؟!. نستطيع أن نفوِّض السلطة والمسؤولية في التعليم، تحديداً في المدارس، إذا عرفنا مأزق التعليم وأزمته في البلاد، أما ما دون ذلك فهو ترك الأمور تسير بالبركة! فمع احترامي الكبير لكل من ناشد بأهمية تعديل المناهج، وأن هذه المقررات هي ما دمَّر التعليم، ومع احترامي لرؤية سمو وزير التعليم والانشغال في إعداد تصاميم جديدة للمباني المدرسية، ورغم يقيني بقيمة كل هذه الأدوار في تصميم المباني والبحث في خلل المقررات والمناهج المدرسية، إلا أن الأزمة هي في المعلم، فأتمنى شخصياً أن يستحدث جهاز يقيس درجة الإخلاص لدى معلمي المراحل الدراسية الأولية، خاصة معلمي المرحلة الابتدائية، ومدى أدائهم للواجب الوطني عليهم كمعلمين، فلو حدث ذلك سيرن الجهاز مراراً وهو يظهر النتيجة: صفر!. بل ربما لا نحتاج ذلك سمو الوزير، فقط زيارة من قبلك إلى عينة عشوائية من المدارس الابتدائية في الرياض، واختبارك لعدد من تلاميذ الصف الثالث أو الرابع الابتدائي، سيكشف لك كم هو التعليم متردٍ، إلى الحد الذي لا يجيد التلميذ فيه أصول القراءة والكتابة، وإن أردت الضحك، وحمل أربعة أقلام حمراء بدلاً من قلم واحد، فاختبر المعلم نفسه في القراءة والكتابة والنحو والصرف، وستصل فوراً إلى سرِّ تخلّف التعليم لدينا، لأنها دورة لا تتوقف، من معلم خريج جامعة لا يتقن الكتابة والقراءة، إلى تلميذ تعلَّم على يد هؤلاء، فماذا نتوقع؟. حينما كنَّا في السبعينيات نتعلَّم على أيدي معلمين فلسطينيين وسوريين، كنَّا في الصف الثالث ابتدائي نقرأ كتب السير الشعبية والأساطير بصفحاتها التي تفوق خمسمائة صفحة، أما الآن فأتحدى التلاميذ الأولاد تحديداً، أن يقرأ أحدهم عنوان صحفي لا يزيد عن خمس كلمات!. أنا لا أناشد يا سمو الوزير أن يعاد المعلمين العرب إلى مدارسنا، لأن لدينا من البطالة ما يكفي ويفيض، وحتى لا يكون يوسف المحيميد هو سبب البطالة في البلد، فأصبح الجهة الثالثة التي ترمى تجاهها الكرة، بعد وزارتي الخدمة المدنية والعمل، لكنني أناشدكم بإعادة تأهيل المعلمين، خاصة هؤلاء المشغولين عن التعليم بنشاطاتهم الخاصة، ممن ينشغل عن مهمته الشريفة بالبيع والشراء في أسواق الأسهم، وممن يتابع الأفلام والمباريات في جهازه (الآي فون) وممن يحوِّل حصص الرياضيات والعلوم والقراءة إلى حصص دينية!. نحن لا نطالب منكم حل مشاكل التعليم وأزماته في يوم وليلة، فالكل يدرك أنها تركة ثقيلة، وثقيلة جداً، وبعيداً عن الخطط الإستراتيجية التطويرية التي قد تحتاج إلى الدارسات والأبحاث والوقت، ماذا عن الأهداف قصيرة المدى التي قد تردم الخلل وقتياً؟ بدءاً بأوضاع المعلمين وتوظيفهم وكفاءتهم، وحتى طريقة التعليم التي لم تخرج بعد من نظام التلقين الذي أخرج لنا أجيالاً لا تملك ذهناً تحليلياً، ولا تتقن فن الحوار والمناقشة، هل تعلم سمو الوزير، أن أنظمة الدردشة في (البلاك بيري) طوَّرت قدرات التلاميذ على الفهم والوعي والحوار أكثر مما قدّمه معلمو الوزارة؟! أتمنى أن أكون مخطئاً، أتمنى أن أكون متشائماً! وأتمنى أخيراً ألا يستمر قلمك أحمر لأمد طويل!.