إلى من جمعني به الحب أولاً، وأخوة النفس وصداقة العقل ثانياً، أخي وصديقي الشيخ الدكتور خوام فنر الفيصل الفرحان الصفوق الفارس الجربا رحمه الله، الذي فجعنا برحيله المفاجئ إثر سكتة قلبية داهمته فجر يوم الجمعة 13-12-1431ه في 19-11-2010م. أأعزي بك أم أتقبل التعزية في الصديق أم في معاني الصداقة التي ربما غابت بغيابك وانطوت مع فراقك؟ الصداقة التي هي زينة في الرخاء وعون في الشدة، ويد في النائبة وأنس في الوحشة. والصديق الذي يستأنس به ويسكن إليه، ويعتمد عليه ويستفاد منه، يستشار في الملمات وينهض في المهمات. من امتاز بالفضل والكرم والنبل والشمم. من صدقك عن نفسك لتكون على بينة من أمرك، ومن صدقك عن نفسه لتكون على اطلاع على سجيته وطبعه، فتكونا منسجمين في الأفكار، متفقين على طهارة النفس وعفة اللسان والإخلاص في القول والفعل، فكان الصديق مرآة أخيه التي تكشف له عن نفسه، ولذا فإن العقال لا يعدل بالإخوان شيئاً، فهم الأعوان على الخير، والمواسون على نائبات الليالي. ومهما توفرت للمرء من شؤون الحياة ومتعها فإن في القلب دائماً فراغ لا يملؤه إلا صديق يفهمك بغير كلام، وتفهمه بمجرد قراءة صفحة وجهه، فكأنكما واردان على معين واحد أو كأنكما شريكان في كنز روحي بالغ الروعة والبهاء. فالصديق كاتم أسرار صديقه وشريكه في فرحته، ومعينه، بعد الله تعالى - في بؤسه وشدته. أأذكرك بهذه المعاني والحالات التي يتجسد فيها الصديق ويبين معدن الصداقة الثمين، وقد كنت خير من يعيشها ويستحضرها بفعله لا بقوله، أم أخاطبك بأبيات الشاعر القروي: صديقي كيف رحت ولم تودع وحبك ما فطرت على جفاء فوالهفي عليك وطول حزني أخاك وأنت عنوان الإخاء ولكن عاجلتك يد القضاء لبعدك يا أعز الأصدقاء أأعزي بك إخوانك الكرام، وأبناءك محمداً وإخوانه، أم أقف لأتقبل التعازي بك، وقد ربطنا الوفاء بالدم، والصداقة التي هي نسب أيضاً كما قال الخليفة هارون الرشيد. أأنعي الرجولة وكريم الشيم وجميل الخصال التي تمثلت بك، أم أنعى روحاً رفيعة اشتملها قلبك، إلى جانب ما حوي عقلك الراجح من حكمة ووعي وعلم يتجاوز بمراحل شهادة الدكتوراه التي حصلتها في اقتصاد البترول من النمسا وألمانيا. رحمك الله أتعبت من يريد تعداد مآثرك. فقد كنت رجلاً نادر المثال، محباً لوطنك موالياً لولاة الأمر فيه، محباً للآخرين مما أكسبك محبتهم جميعهم، متواضعاً مع الصغير قبل الكبير، تقضى بعض أوقاتك بالتواصل مع الآخرين وقضاء حاجات الناس والسعي بالمعروف بيلهم وإصلاح ذات بينهم بخلقك الرفيع وأريحيتك الوضاءة. فلا عجب أن تجتمع القلوب بهذا على محبتك، والألسنة على الثناء عليك. فقد كنت رمز للكرم والوفاء، والبذل والعطاء، وعنواناً للشهامة والإباء. فأقل برحيلك نجم مشع في سماء الإحسان، كم أقال عثرة وكم نشط في أبواب الخير، وكم رعى أرملة وكم كفل يتيماً. إن القلب ليتصدع من هول هذا المصاب الجليل والرزء الثقيل الذي فجأنا على حين غرة، فاختطف من بيننا رجلاً كبير الهمة عالي المقام حسن الخلق سمح النفس يجمع الوقار مع التواضع، والقوة والحزم مع الحب واللين واليسر. أسأل الله تعالى أن ينقلك من ضيق اللحود إلى جنات الخلود، وأن يكرم نزلك ويوسع مدخلك، وأن يغسلك بالثلج والماء والبرد، وأن ييمن كتابك ويهون حسابك ويلين ترابك ويثبت أقدامك. وأن يملأ قبرك بالرضا والنور والفسحة والسرور. وأن ينزلك من منزلاً مبارك مع الصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجعل تحيتك سلام لك من أصاب اليمين. وأن يلهم أهلك وذويك ومحبيك الكثر الصبر والسلوان على هذا الخطب الفادح الذي تقصر عن وصفه الكلمات. غير أني استشهد بأبيات للمتنبي يقول فيها: ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى فيه الفصاحة والسماحة والتقى يبكى عليه وما استقر قراره إن الكواكب في التراب تغور والبأس أجمع والحجا والخير في اللحد حتى صافحته الحور أحسب أنها تعبر شيئاً ما عن الحزن الذي اجتاح قلوبنا بفقدك.. رحمك الله رحمة واسعة. نواف محمد الدبيسان