أُلقيت بمناسبة الحفل الذي أعدته مجلة الدرعية لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله مساء أمس. عاندتُّ فيكِ مثبِّطاً وعذولا ومددتُ من ثِنْيِ الأعنة طولا(1) وأَجَلْتُ في تِيه المجاهل حيلتي فرجعتُ صفراً ما شفيتُ غليلا(2) طوراً تكون طريدتي مُذْلَوْلِياً جَهْدي وأحياناً أكون ختولا(3) وظننتُ فَوْتَ عيونِها وأصيلها وَأَشَحْنَ عني أن أكون حليلا حتى تفيَّأَ من ذَراك تألُّقي خَُلُقاً سجيحاً كالنسيم عليلا(4) فهفت قوافي الشعر طوعَ إرادتي ومنحنني سجع الحمام هديلا(5) ونثرتُ خيط النور في إيقاعها إذْ كان من نبع العقولِ فتيلاً(6) أٌهْدي لهنَّ شُعاع فكري سافراً وَأُجِيْلُ في مُستبهمٍ تخييلا فتراقصتْ في مهجتي كي تنتقي لفظاً تُمَوْسِقُهُ القلوبُ نبيلا أَوَ ما ترى غثَّ القريض بلا جوى إِن لم يكن قيتاره مصقولا؟(7) وصِقالُهُ لغةُ العواطف تجتلي شَدْوَ الطباعِ جِبلَّةً وميولا(8) أو ما ترى أن الخَليَّ مَكَبَّلٌ عَيُّ اللسان فلا يُحِيرُ مَقُولا؟(9) أو ما ترى أن الشجا رِفْدُ الحِجا أو لم يكونا للخيال حقولا؟ (10) أو ما ترى أن المعنَّى واعِدٌ بالنَّغْم غيداقاً يٌغيث عليلا؟ أو ما ترى «يامٌتْلِفي» تمحو الضَّنَى بالرَّغْم من شوق يَهيجُ ذَهولا؟(11) عينُ المحبِّ على الحبيب تحوطه بالموق صَوَّر رسمه تعليلا(12) شكراً أميرَ الرِّفق إني شاعر مُذْ كنتُ في شمل الحصيف نَزِيلا شَحَذَتْ خِصالُك من شَباة قريحتي كالغيث يُحيي بالبهيج مُحولا(13) لو أن مجبول الطباع مُجَسَّدٌ كنثير راحتِهِ تُنيل جزيلا نال الجمادَ الحظُّ من أخلاقِهِ وغدا بفيض طباعه مجبولا واستشرفَتْ منكَ العيونُ بنظرةٍ شوقاً وتخفضها المهابةُ مِيلا أكرمْ به يُرْضي العيونَ لطافةً ويظلُّ في قدر الصدور جليلا لازلت في رُوع الجُناة مُرَوِّعاً متمثِّلاً إن أزمعوا تبديلا(14) فإذا أرابوا فلَّ غربَ فجورهم ما جَرَّبوا فبدا لهم تزويلا(15) بالرُّعْب شدَّ الله أزر رسوله وقضى به لعدوِّهِ تنكيلا أوزارة الأمن العميم تألقي إن قيل: كنت لنائف تحجيلا أَوَ لم تكوني المحضَ من تجريبه والمنهجَ الموعودَ جيلاً جيلا؟ وجلائلُ الأعمالِ عنوانُ الحِجا تُضْفي على الطبع الجميل جميلا مُلِئَتْ عيونُ الشعب من طيب الكرى وَنَفَتْ على سَبْحِ النهارَ خُمولا هَنِئَتْ وأنتَ على العَناءِ وكحَّلَتْ أجفانَها بسباتها تكحيلا لَيْلٌ تُعاني فيه راحةَ نُوَّمٍ وتذودُ إِزماعَ النُّعاسِ حُلُولا وعلى البساطةِ مُؤْنِسٌ وَمُؤانس فتخاله من همِّهِ مكفولا فإِذا وزنتَ كفاحَهُ وسكونَهُ ألْفيته مُسْتَغْرَقاً مشغولا أَبراعَةٌ وبراءَةٌ وبساطةٌ فَاصْدُقْ وقاكَ اللهُ حَفْلَك قِيلا أَلَدَيْكَ في التدبير عقلٌ واحد أم أن بارِئَنا حباك عُقولا؟! ما خاب ظنُّ الفهد في إِرْفاقِه للمسلمين بنائفٍ تأهيلا(16) يَزِنُ الرجالَ بنظرةٍ فتخالها بالقطع من توفيقها غربيلا(17) يا حامل الهمِّ الجسيمِ لأمةٍ يبدو لها شَبَحُ البطالةِ غولا أنجزتَ بالحلِّ السريعِ تَعِلَّةً لتكون عن لأوائها تعجيلا وَرَهَنْتَ بالرأي الخمير مُعَقَّداً لِتُدِيْرَهُ فتحقِّقَ المأمولا آهٍ حليمَ العُرْب أنت بأمةٍ أضحى بها حبلُ الوئامِ سحيلا(18) تحتاج ألفاً من مثيلك راشداً يلقى الصفاءُ برشدهم تسهيلا أَمِنَ العجائب أن تكونَ أناتُهُ أَوَلم يكن قرآننا ترتيلا؟ وإِذا تنافس معشرٌ برموزهم وَدُّوا شبيهَك للمنى إِكليلا كثرتْ عيونُ الشعر فيكَ مضيئةً وتخطُّ من سِفْرِ البيان فصولا لم يذْخروا جَهْدَ المقِلِّ فأجفلوا وتيقَّنوا عَجْزَ اللسان مُحيلا ما زلتَ تَبْدَهُهُمْ بكل صنيعة وسدادُ رأيك يُدْهَشُ التدليلا وإِذا أَجَلْتَ الرأيَ حَقَّقْتَ المنى بحياد عفًّ يرفض التنفيلا أما السماحُ فلائذٌ في كفِّه حَمِدَ الثناءَ فما يُطيق رحيلا كفٌّ تَسِحُّ نَوالَها بسماحةٍ وَبِظهرها رشْحُ الوفا تقبيلا عَجَبِي لمحتقِنِ الضغائنِ رِدَّةً إذْ كان عهدُ ولائه ممطولا! عجبي لمحتقن الضغائن حاسداً ظِلاًّ أفاءَ به الكريمُ ظليلا! أفلا يعيش الهمَّ أثقل قومَهُ وأحال سدْوَ نسيجهم منديلا(19) ببصيرة الإِيمان والبشرى لمن عبد الإِلهَ وأحسن التعويلا؟ حَيّتْكَ من درعيتي نُخَبُ النُّهَى ترعى الولاءَ وتتقنُ التعليلا(20) تبني على التاريخ وَهْو مُعَلِّمٌ وتُضيءُ للمستبصرين سبيلا تَأْبَى قرائحُها حديثَ خرافة حتى تُحكَّ بحدسها المنقولا وتعِفُّ عن تحريفه مستبهماً تَرْعَى حماهُ وتحسن التأويلا درعيتي أصغرتُ قولةَ واصف: قد كنتِ في الماضي لنا قنديلا!! درعيتي ماضٍ نعيشُ جذورَهُ بالعلم إِن أَرْخَى الظلامُ سدولا درعيتي جناتُ حَبْرٍ عابدٍ طابت جَنَى وتهدَّلتْ تهديلا مُتِّعْتَ بالذكر الجميل مُعَتَّقاً عَبِقاً يعطِّرُ حفلَنا المأهولا الحواشي: (1) ضمير «فيك» للقوافي وتجلياتها، والثِّني بكسر الثاء المثلثة الفوقية ما انثنى من الحبل فقصره، فإِذا حللتها امتد، والطول كناية عن كثرة النظم البارد في حياتي الشعرية الأولى. (2) من معاني الغليل شدة العطش وحرارته، وشفاء الغليل كناية عن بلوغ الغاية.. والتيه المفازة يَضِلُّ فيها الذاهب.. جمعها أَتْياه، وجمع الجمع أتاويه. (3) مذلولياً مسرعاً مخافةَ أن يفوته شيء.. وأضاف الجوهري إِلى الإِسراع الاستخفاء.. ولها معانٍ أخرى في مادة ذَلَيَ.. والختل خديعة الصيد باستخفاء. (4) تفيَّأ رجع إِلى ظله متنقلاً.. وأصله على المطاوعة من: فيَّأ الله الظل، فتفيأَ هو، فتفيأته أنا.. وأنكر بعضهم على أبي تمام قوله: طلبتْ ربيعَ ربيعةَ المُمْهي لها فوردنَ ظلَّ ربيعهِ المدودا لم يلاحظ معنى المطاوعة والتضمين.. والذَّرا الكِنُّ والكنف والستر.. وتألَّق التمع، وسجيح ليِّن سهل.. ويكون النسيم عليلاً إِذا تعاقب عليه الندى. (5) هفت أسرعت بخفوق، والهديل صوت الحمام المتوحش، واستعير للتفجع على مفقود بصوت مطرب، بناء على أسطورة «هديل»، وهو فرخ حمام مات عطشاً في عهد نوح عليه السلام، فما من حمامة إِلا وهي تبكي عليه بصوتها المسمى هديلاً. (6) الفتيل الذبالة (الفتيلة) طريدة قماش، أو حبل مفتول تشعل فيه النار وطرفه في الدهن أو الزيت، فيظل مضيئاً. (7) قيتار بالتاء المثناة الفوقية وبالمثلثة أيضاً آلة طرب ذات ستة أوتار.. رومانية.. جوى: هوى وحزن باطن. (8) اجتلاء الشدو عرض الغناء مجلواً. (9) يحير مقولاً يرد جواباً. (10) الشجا ما هيج النفس من حزن أو طرب.. والحجا العقل بما فيه من فطنة وحجز.. رِفْد رافد. (11) «يا متلفي» أغرودة شجية المعاني، عذبة اللحن، والبيت الذي بعد هذا استيحاء منها.. والضَّنَى طول السَّقام.. بالرغم جائزة مثل على الرغم، لأن التقدير: بالكره من شوق.. والذَّهول مبالغة في الذاهل، وهو المتناسي شجونه سُلُوّْاً وطيبَ نفسٍ عن الإِلف. (12) الموق بضم الميم هو المؤْق والماق.. أي طرف العين مما يلي الأنف، وهو مجرى الدمع، واللِّحاظ طرفها مما يلي الأذن.. وربما استعمل العامة الموق لإِنسان العين.. تعليلاً تلهُّياً وسلوّْاً وتطيبياً للنفس.. قال أبو الطيب: وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل (13) الشحذ السَّن، وشباة الشيء حَدُّه.. والمحول بضم الميم الأرض الممحلة (أي المجدبة)، ووردت أيضاً بفتح الميم كما في المحكم لابن سيده. (14) الرُّوع بضم الراء المشددة القلب، لأنه محل الرَّوع أي الفزع بفتح الراء المشددة.. أزمعوا: مضوا في الأمر بعزم. (15) أرابوا دخلوا في الفعل المريب، والغرب الحد، وضمير «بدا» عائد لسموه. (16) منذ رضيه أيَّده الله نائباً له بوزارة الداخلية. (17) الغربال المنخل، والغربيل غير مسموعة مادة، ولكنها صحيحة صيغة، لدلالتها على اسم الذات وبلوغ الغاية في الفعل.. وهي في استعمال العامة، وربما كانت من الموروث غير المدوَّن. (18) السحيل الضعيف غير المبرَم. (19) السَّدْوُ ما أُعِدَّ من القماش وغيره للنسيج، والمنديل كناية عن العجز، لأنه لمسح الدموع. (20) النهى العقل، لأنه يَنْهى، أو لأن العاقل ينتهي إِليه.