(قيل للخليفة المأمون هناك رجل يدّعي معرفة الطب ويمارسه وهو ليس في شيء من ذلك ويخشى أن تؤدي وصْفاته إلى إيقاع الأذى بالناس، فعَقد المأمون مجلساً لمقاضاته وأرسل في طلبه، وأراد أن يضفي على المحاكمة جواً من العبث والسخرية، وقال لمن حوله: تعالوا نؤلِّف كلمة لا معنى لها وندّعي أنها اسم نوع من الأعشاب نسأله عن خواصها ومفعولها، واتفقوا أن يقول كل منهم حرفاً اختاروه عشوائياً حتى تستقيم لهم كلمة ما، ويجعلون تلك الكلمة اسماً للعشبة المزعومة، وافتتح المأمون بحرف الخاء وأضاف الذي بجانبه «نون» حتى تكوّن من الحروف كلمة (خنفشار)، وعندما أدخل الطبيب على المأمون قال له المأمون: سمعنا أنك مُلِم بالطب وتمارسه، وما نريده منك أن تطرفنا بشيء من عشبة الخنفشار للنظر في أمر إجازتك. اعتدل الطبيب في جلسته وأخذ يشرح الخنفشار وكأنه من الراسخين في العلم: أين ينبت، وما مختلف أنواعه، وكيف يحضر دواء، وعدّد منافعه) ... جهاد فاضل مجلة الحوادث عدد 1535. إنّ أمثال صاحبنا الطبيب الذي ادّعى معرفة الخنفشار كثيرون، ويدّعون معرفة المرض وعلاجه سواء كان هذا المرض عارضاً أو مرضاً فتّاكاً كالسرطان والإيدز والفشل الكلوي. عندما تدخل دكان العطّار تعانقك رائحة الأدوية التي يعلوها الغبار والتلوُّث، وتتعرّض لحرارة الشمس والرطوبة في فصل الشتاء، فلو طلبت من العطار عشبة الخنفشار لسارع بإعطائك دواء لا تعرفه وأفادك بأنه يشفي مرضك. إنّ أدعياء الطب الشعبي يختزلون الوقت ويوهمون المريض بأنّ أدويتهم (لا يُعلى عليها). من المؤسف أنّ دواء الطب الشعبي يُطلق عليه في الغالب الطب العربي، وفي دول الغرب يعرفون هذا الطب (Arabian Medicine) أما في مفهومهم فهو يحمل اسم (طب الخرافات) (Folk Medicine). اشتكى أحد المرضى لطبيب شعبي ألماً في بطنه فأعطاه منقوعاً صدئ الحديد فتسمّم ومات، وكثير من أدوية العطّارين يضر بالكبد باعتبار أنها الفلتر الذي يستقبل الدواء. الأدوية الطبية المقنّنة في الصيدليات تخضع للتجارب سنوات عدّة على الحيوانات والمتطوّعين لمعرفة فعالية الدواء، ثم يسجّل رسمياً للاستخدام عندما يثبت أنها نافعة وآمنة، وبعض الأدوية المقنّنة تتأثر فعاليتها بالضوء فتوضع في قوارير ملوّنة، وبعضها يتأثر بالحرارة فتوضع بالثلاجة. لماذا نقامر بصحتنا ونذهب للعطّار ونترك الطبيب وراءنا، وعندما يشتد المرض ينتهي بنا الأمر إلى المستشفيات لنبدأ مرحلة جديدة للعلاج؟. لو بحثت في الدول المتقدمة عن عطّار يبيع الأعشاب وأعضاء الحيوانات مثل لسان الطير، وعظم الخرتيت، وأرجل العفريت، إلخ .... فإنك لن تجد هذه الأدوية إلاّ في الدول العربية، بالإضافة إلى كثير من الأدوية يجري إحراقها والاستشفاء بدخانها، وهذه مسألة لا يقبل بها إلاّ مريض جاهل، وأذكر أنّ بعض المرضى يذهب لأحد المشعوذين الذي يغلي الرصاص على النار ويضع قدراً به ماء فوق رأس المريض ويسكب الرصاص في القدر، ناهيك عن الكي بالنار وضرب المريض ضرباً مبرحاً لإخراج الجن منه. - الرياض