صار في حكم المؤكد انفصال جنوب السودان عن شماله وإعلانه دولة مستقلة ستسارع الدول الغربية بل النادي المسيحي بأكمله إلى الاعتراف به بل إن الإشارات بدأت تؤكد أن غربه وخصوصاً دارفور بات مؤهلاً للإغراء بالانفصال ليتحول السودان إلى دويلات وهو الذي يعتبر أكبر دولة عربية وإفريقية من حيث المساحة، وهي رقم 10 من حيث أكبر الدول في العالم مساحة، وبها من الموارد الطبيعية الكثير لعل آخرها ما أعلن مؤخراً عن اكتشاف مناجم يورانيوم كثيرة وآبار بترول ومناجم للذهب وأكبر احتياطي مائي في العالم وذلك بخلاف التربية الحيوانية والأرض الخصبة والمراعي الكبيرة. وغير بعيد من السودان وفي القارة الإفريقية تبرز الصومال الذي تمزَّق وأصبح أشلاء متناثرة بين شباب المجاهدين وجماعة الإسلام وجماعة المحاكم الإسلامية المنشقّة والحكومية وفرق القراصنة لنتوقع قريباً انبثاق مجموعة دويلات جديدة قد يكون إعلانها ليس بعيدا. وفي إفريقيا أيضاً تعاود البروز والخفوت تبعاً لطقس السياسة الغربية قضية الصحراء المغربية وسعي البوليساريو الحثيث لإعلان استقلال جمهوريتهم بدعم من الجزائر. وهنا في آسيا نرقب بشكل جليّ متى سيعلن الأكراد إقامة دولة كردستان التي ستقضم نصف العراق وأجزاء من سوريا وتركيا وإيران فقد أُعلن علمها وأنشئ جيشها وفتحت سفارات خاصة بها تمهيداً لإعلان الدولة المستقلّة بتشجيع ودعم أمريكي إسرائيلي فالأمر متوقف على الوقت المناسب فقط لهذا الإعلان فواشنطن تنتظر الانتهاء من الملف الإيراني لتمنح الأكراد فرصة إعلان استقلالهم بل إن الأخطر أن ينتهي الأمر بكل من الشيعة والسنة إلى إعلان كل واحد منهما دولة خاصة به بعد أن رفض أنصار المذاهب الاجتماع حتى بين أروقة مجلس النواب خصوصا بعد أن أعلن إقليم كردستان العراق الحكم الذاتي. وغير بعيد من العراق تشير بوصلة التفتيت إلى لبنان، فالجنوب خاضع لحزب الله الإيراني ويعيش على المشروعات الاجتماعية التي يقيمها الحزب تحت شعارات مذهبية وقومية ولعل الزيارة التي قام بها مؤخراً أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإيرانيةللجنوب دون الشمال تأكيد لهذا الاعتقاد أما الشمال فيعيش على المساعدات الخليجية والدعم السياسي العربي وكأنه قد كتب على هذا البلد أن يكون مقسّماً معنوياً وواقعياً. وفي الجنوب منا يتصارع جنوب اليمن مع شماله، إذ يسعى من أسموا أنفسهم بالحراك الجنوبي إلى إعلان دولة مستقلّة بعيدة عن صنعاء التي أنهكها الصراع مع الحوثيين المدعومين من إيران طبقاً لما أكدته صنعاء مراراً. أما قضيتنا الكبرى قضية العرب والمسلمين بل الإنسانية، القضية الفلسطينية فرغم ما يعيشونه من احتلال واضطهاد وتنكيل من آلة الحرب الإسرائيلية المحتلة فإنها تعاني هي الأخرى انقساماً بين الضفة الغربية وقطاع غزة الباقيين من الأراضي المحتلّة، لعل هذا التفتت سيدخل العرب العام الميلادي الجديد من أوسع أبواب التشرذم بعد أن تجاوز مرحلة التقسيم التي حاكتها خطة سايكس بيكو. كل ما سبق من واقع مؤلم يستوجب الاستعداد للمواليد الجديدة فهذه الفتات تفرض التفكير بل العمل جدياً لكيفية احتوائها والتأقلم مع وجودها وتقاسم الثروة والسلطة معها فالصراعات قد تتمخض عن حروب تأكل الأخضر واليابس يبن الكيانات القديمة والجديدة وهذا هو الأخطر.